السبت، 20 يوليو 2002

حول النقاش الدائر في قضية التجنيس بقلم هاني الريس


"أمامنا فرصة كبيرة للوحدة الوطنية ومواجهة التحديات"



بقي قانون إزدماجية الجنسية الخليجية في البحرين، وعلى مدى الاسابيع الماضية، مادة نقاش مفتوحة بين الاوساط الرسمية والشعبية، على ضوء خطورة هذا القانون، وخصوصاً وانه تم بموجب قرار ملكي منفرد وليس عبر ممثلي الشعب او عبر إستفتاء شعبي، وعلى هامش النقاش العام حول هذه القضية، فأن من الاهمية بمكان أ، نطرح رأينا في هذا الشأن، كتأكيد على رغبتنا في مشاركة الرأي العام، في هذا الواجب الوطني، لا بل هذا الحق الديمقراطي الذي يعتبر من اسس الديمقراطية وحقوق الانسان التي يحرص عليها المواطنون قبل المسؤولين.

بداية احب ان اشير الى انني كنت معارضاً من حيث المبدأ، كافة القرارات والمراسيم والاوامر الاميري ومن ثم الملكية التي صدرت منذ عملية البدء بمشروع الاصلاح مروراً بالميثاق وانتهاءاً بأستصدار المكرمات والقوانيين ومن ضمنها بطبيعة الحال قانون أزدواجية الجنسية، حيث ان مجمل هذه القوانين والقرارات والمراسيم الاميري والملكي، جاءت من منطلقات الحلول الجاهزة وأحادية الجانب، وفرض سياسة الامر الواقع الذي يعتمد السلوك الانفرادي والذي لايخدم سوى مشاريع السيطرة والهيمنة الواحدة والفئوية على كل مفاصل القرار السياسي والاجتماعي ولا يساعد على بناء دولة القانون والمؤسسات الديمقراطية الدستورية، وقدم تم توضيح وتأكيد هذا الاعتراض في العديد من المقالات التي نشرتها في الفترة الماضية وفي مؤتمر المعارضة المنعقد في لندن في نهاية شهر مارس الماضي، وفي العديد من اللقاءات التي جمعتني بالشخصيات والرموز السياسية والوطنية والدينية داخل البحرين وفي الخارج وفي كل مناسبات طرحت وجهة نظر واضحة وصريحة، وقلت ان ما يحدث في البحرين من تطورات متسارعة على الصعيد السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحقوق الانسان إنما هو زوبعة في فنجان، وان الملك والسلطة الحاكمة في البلاد هم المستفيد الاول والاخير من مشروع التغيير، حيث ان لا ناقة ولا جمل سيحصل عليها شعب البحرين. ما دام بقي مقيداً بدستور مصطنع وممنوحة من إدارة واحدة فقط هي أعلى قمة في السلطة، وقرارات ومراسيم مجحفة تحاصر الديمقراطية ونعمل بما يناسب أهوان من يتربع على عرش المملكة، وليس بما يتناسب مع رغبات وطموحات وأماني شعب البحرين.

وجلنا يعلم ولسوء الحظ، ان المشروع الذي جاء بأسم الاصلاح وتغيير مسمى الدولة الى مملكة دستورية، لم يكن سوى "كذبة كبيرة" أراد بها الحاكم تبييض صورته وأظهار نفسه بأنه المصلح الحريص على خدمة المجتمع والامين على الدستور ومؤسس المملكة الديمقراطية الدستورية، وفي واقع الامر لم يستطيع ان يحقق للدولة والمجتمع سوى تلك "القشور" التي ظلت تصفها أبواقه في الداخل والخارج على انها إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية جوهرية وتاريخية، في نفس الوقت الذي تجدها غالبية اعضاء المجتمع البحريني، بأنها مجرد ضيمة يظل يحتمي وراءها الحكم لتحقيق مقاصدة وطموحاته واهدافه، وتنفي الرغبة في الاصلاح الحقيقي والجوهري التاريخي والعيش المشترك بين جميع ابناء البحرين وتوفير الفرص الاجتماعية والاقتصادية والحقوق المتساوية التنمية والوصول الى مستوى المحالك الدستورية.

ففي كافة الاجراءات التي إتخذت منذ الاستفتاء على الميثاق واعلان الملكية الدستور، تعاضمت قوة القرار الفردي على حساب القرار الجماعي، وبلغت كل هذه الاجراءات مبلغاً من الغرور واستغفال الناس وبما في ذلك الجمعيات السياسية والشخصيات الدينية والمءسسات الاهلية في المجتمع، يستحيل كبحها بغير المواجهة والمعارضة الجدية، وللأسف الشديد فأن الحكم لا يزال يتجاهل إدارة الناس، ويسير سيراً حثيثاً، حيال ما يجري الى تفتيت المجتمع وتمزيقه واضعاف قدرته على المواجهة، والباعث على الاشارة الى ذلك، انما هو هذا السلوك الخاطئ وهذه القرارات والمراسيم الانفرادية التي ترفض الامتثال للادارة العامة وتتصرف كما لو انه لم يكن هناك سوى الملك والسلطة التي تحكم البلاد بقوانيين ااعسف العام وتستأثر بصنع القرار.

ويبدو واضحا ان الغالبية الساحقة من شعب البحرين، وبعد كل ما وجدوه أمامهم من تغيرات واعراس الفرح الديقراطي، تتهاوى من جراء نكث الوعود والمواثيق والانقلاب على دستور البلاد الشرعي، يجمعون على إعتراضهم على ما يحدث من إنهتاكات صارخة لقيم الديمقراطية وحقوق الانسان، ويعترفون بأن إنجازات مشروع التغيير لم تستطيع برغم الدعاية الاعلامية الائلة ان تتجاوز "الازمات الكبيرة" ولم تحاول معالجتها بالشفافية وروح الاخوة ووحدة المصير، مثلما توقع البعض، بل الواضح ان هذه الانجازات ومنذ الايام الاولى لضهور المشروع قد ولدت الكثير من الممارسات الخاطئة والقوانيين الجائرة من بينها قانون التجنيس.
ومثلما كنت اعارض كافة القرارات والمراسيم والاوامر الملكية الانفرادية والتي لا تعبر أية أهمية لممثلي الشعب وقواه الوطنية وشخصياته الدنيية والرأي العام، فأنني أبدي معارضتي لهذا القرار الانفرادي المتعلق بالتجنيس، حيث انه قرار تحدي يقلق المشاعر ويحاول تصعيد الشحن الطائفي والاثني عبر تحولات سياسة وديمغرافية خطيرة تهدد وحدة وتماسك المجتمع الذي عانى من سنوات كثيرة كانت ضاغطة علية في السابق، واظهر تكيفاً ملفتًمع الواقع الجديد للبلاد، بعد ظهور مشروع التغيير وميثاق العمل الوطني، كما انه يهدد بوجود "قنبلة إجتماعية" موقوته في جسم المجتمع، ستنفجر حتماً، سواء كلن ذلك على المدى المرحلي او الاستمراري، ولأن هذا القانون غيره من القوانيين والقرارات والمراسيم، لم تخضع بشكل او آخر للمناقشة الشعبية او عبر ممثلي العشب او لقرار شعبي عام وذلك لمعرفة اذا كان الشعب يقبل بهذا القانون او غيره من القرارات والمراسيم، لأننا نعرف جيداً أن مثل هذه القضايا الامة والحساسة لا تؤخذ بالقرارات الانفرادية ومن خلال أعلى سلطة في البلاد، بقدر ما تأخذ بالمشاورة والحوار واستفتاء الشعب، وهو الامر الذي يحصل عادة في الانظمة الديمقراطية والممالك الدستورية،ولكن ما يمكن قوله في هذا الشأن، هو ان ملك البحرينالذي ابتدع عدة قرارات ومراسيم منذ بداية تسلمه السلطة في العام 1999م، لم يستطيع تحقيق هذه الممارسة الديمقراطية، ولم يستطيع الاستقامة مع الوعود والمواثيق، لانه ربما لا يثق بشعبه، وفي كل حال ومهما كانت اهداف ومقاصد هذا القانون ( قانون التجنيس) وضرورة الحاجة لجلب رجال الاعمال والمستثمرين الخليجيين الذين قصدهم قانون التجنيس في المقام الاول، فأنه ليس من مصلحة البحرين ذلك البلد الصغير في المساحة والشحيح في الموارد الاقتصادية، والمتخم بالفساد المالي والاداري والسياسي، والذي ترتفع فيه مستويات البطالة بين المواطنين بسبب تزايد موجات العمالة الاجنبيية الرخيصة وغيرها، تضخيم عدد السكان وتوسيع التركيبة السكانية وتنويعها بطابع التمايز الطبقي والاثني والمذهبي، وجعل التركيبة السكانية تتساوى في حجمها العددي ووزنها السياسي والاجتماعي، وتجنب ما هو امر واقع علىالارض لهذه التركيبة العددية، حيث نجد ان نسبة اكثر من 72 بالمئة من السكان يمثلون الطائفة الشيعية، والنسبة الاخرى تمثل الطائفة السنية وتخالط هاتين الطائفتين بضع اقليات أثنية، فقد جرى إختراع هذا القانون خصيصاً بقصد خلخة هذه التركيبة السكانية، ومحاولة تقليص نسبة الاغلبية لجعل الطائفة الشعية أقلية او متساوية مع الطائفة السنية، وبذلك يمكن للحكومة قطع الطريق على أصوات الغالبية المنادية بأعطاء الحقوق للاكثرية الشعبية، وقد شهدنا هذه المطالبة تستمر في عدة مناسبات وفي انتفاضات متكررة منذ عدة عقود، وكذلك تحجيم هذه الغالبية وحصملها على مقاعد إضافية في المجالس البلدية والبرلمانية المنتخبة، مما يعني أن الطبيعة الاساسية للنظام الحاكم في البحرين والذي تسبب في حالة اللاستقرار البلاد طول العقود الماضية بسبب ممارسة سياسة التحييز الطائفي، لم تتغير جذرياً لضمان تعايش سلمي مجتمعي وسلم ومستقر، بل يحامل الان تعميق هذا التمايز من اجل التوصل الى اهداف وطموحات خاصة تؤمن له الاستئثار والتسلط على المدى البعيد، أما الوسيلة المتاحة فهي استصدار مثل هذا القانون (قانون التجنيس).

ومن اجل ذلك لا شئ يجب ان يحول دون المضي في مواجهة هذا القانون الاخطر في السياسة السكانية، وكذلك القرارات والمراسيم الانفرادية التي تحاول فرض الامر الواقع في المجتمع، وينبغي الوقوف بكل جرئة في وجهها والتصدي لها بكافة الوسائل السلمية، فهل نستطيع ذلك؟ هذا ممكن اذا توحدت كافة القوى السياسية والشعبية واتفقت على برنامج سياسي وإجتماعي قادر على مواجهة هذه التحديات الخطيرة، عند ذلك يمكن ان نضغط على سلطة القرار الاعلى ومنعها من الاستفراد بصناعة القرار، وان نحصل على كامل حقوقنا المشروعة في شكل فرض الامر الواقع أيضاً، وهذه فرصة كبيرة أمامنا يجب إقتناصها لمواجهة مثل هذه المخاطر.

ملتقى البحرين