الخميس، 15 أغسطس 2002

البحرين في مناخ التغيير .... مصادرة خيارات الآخرين

البحرين في مناخ التغيير


"انطباعات حول زيارة إستطلاعية"


بعد قرابة 22سنة من العيش في المنفى القسري لأسباب سياسية، والعمل مع المعارضة في الخارج، وبعد إصرار شديد من رفاق النضال الذين عملت معهم في الخندق الواحد وكذلك الاهل والاصدقاء،الذين أكدوا لي بأن الاوضاع في البلاد مستقرة بعد الغاء قانون ومحكمة أمن الدولة،وأن أمير البحرين الملك حاليا حمد بن عيسى آل خليفة، جاداً في تطوير مشروعه الاصلاحي، وكانت هناك إتصالات مستمرة عبر الهاتف بيني وبين المهندس عبدالرحمن محمد النعيمي الامين العام للجبهة الشعبية والرئيس الحالي لجمعية العمل الوطني الديمقراطي،والذي عاد الى البلاد بعد حوالي 35سنة من المنفى القسري، لمعرفة تفاصيل ما يحدث على ارض الواقع، وكنت أثق بكل كلمة يقولها لي المنهدس النعيمي الذي أكن له بالغ الاحترام والتقدير وهو من بين أبرز الرموز التي عملت معها في الخارج، وصاحب مبدأ ثابت ورأي سديد ونظرة استراتيجية بعيدة المدى، عن استتباب الوضع في البلاد وكانوا يطالبونني دوماً بالعودة الى الوطن والعمل من الداخل، وبعد تردد كان له ما يبرره بواقعي شخصياً ، وهو ما كنت قد قلته للمهندس النعيمي ، بأن مشروع الاصلاح مهما بلغ من مستوى متطور، فأنه يبقي مشروع الســــــــلطة

أحادية الجانب وجاء من منطلق الحلول الجاهزة وليست المدروسة بدقة وشفافية والاهم من ذلك هو انه لم يعرض على الرأي العام ولم يشارك المجتمع في صناعته، وهناك مخاوف من إخفاقه أو الانقلاب عليه، ولكن المهندس النعيمي كرر على طلب عودتي وذكرني بأننا كنا نناضل طوال اكثر من ربع قرن من الزمن، من أجل العودة والنضال من الداخل، وأضاف يقول نحن الان انتصرنا وحققنا مثل هذا الهدف،وأن النضال من الداخل وارساء تقاليد عامة للعمل السياسي تستفيد منها الاجيال الحاضرة والقادمة هو أجدى بمليون مرة من نضالات الخارج، وحتى لو تراجع المشروع وأخفق في تحقيق أهدافه وهذا ما لا نأمل ان يكون، فأننا قد كسبنا جولة مهمة من نضالاتنا من أجل الحرية ونعيش الان كما يعيش شعبنا في سراءه وضراءه وسنواصل الطريق حتى تحقيق كامل أهداف وطموحات شعبنا، وبعد كل ما سمعته من المهندس النعيمي وايقنت بأنه يقترب من الحقيقة والواقع، قررت العودة الى البلاد، لكي أرى بعيني عن قرب ما قد وصلت اليه الامور بعد التغيير والاستفتاء على الميثاق.



العودة ألاولى

كانت في 6/5/2001م،وقد استغرقت بضع أسابيع، ولم يتسنى لي ملاحظة امور كثيرة، حيث البلاد ما زالت تعيش على وقع الضجة الاعلامية الدعائية الهائلة التي روجت لها الحكومة وأبواقها في الداخل، وصاحبت كل خطوات التغيير،وكان يومها المجتمع برمته مشغولاً بأمور شتى، فالبعض كان يتغنى "بوهج وبريق الاصلاحات" والبعض الاخر يراقب بحذر مشوب بالقلق والخوف من النتائج التي سوف تترتب عليها الاوضاع القادمة في ظل مشروع إصلاحي كان جاهزاً مسبقاً وأحادي النظرة، وآخرون كانوا مشغولين بلملمة جراحات الماضي ولم تمحوا من ذاكرتهم سنوات الاعتقال والسجن والتعذيب والاعدامات والقتل بالرصاص وتشريد المئات من العائلات البحرينية إلى المنافي البعيدة، فلم تكن لي هناك أية متابعة دقيقة لمعرفة تفاصيل هذا الحدث الهام بالنسبة للبحرين، ولم استطع إستقراء آراء الناس، سوى إنني في تلك الفترة الزمنيةالضيقة جداً من هذه الزيارة، أن التقيت بالاهل والأصدقاء القدامى وبعض النخب والرموز السياسية التي ناضلت معها في الخارج، وفضلت تأجيل متابعة تفاصيل هذا الحدث في زيارة أخرى متفرغة.

العودة الثانية

كانت في 19/4/2002م، أي بعد قرابة العام على الاستفتاء الشعبي لميثاق العمل الوطني وتحويل البحرين من دولة للمراقبة الامنية الى مملكة دستورية، وفي هذه الفترة تحديداً، كانت السلطة ورموزها وابواقها قد انتهوا من إحتفالاتهم الصاخبة لمناسبة مرور عام واحد على إقرار الميثاق.

في نفس الوقت الذي أعلن فية الامير حمد بن عيسى آل خليفة، عن بدء مرحلة جديدة، تنطلق بدستور جديد وهياكل جديدة للدولة والمجتمع، ونصب نفسه ملكاً للبلاد، وإستعادة لقب صاحب العظمة الذي حمله إجداده في السابق، واعطى لنفسه الحق المطلق في قيادة الدولة وترتيب شؤونها من القاعدة إلى القمة، ومن دون مشاركة أحد ، ففي هذه الزيارة الاستطلاعية التي إستغرقت حوالى الشهرين، كان الهدف تحديداً الاطلاع على آثار ونتائج التغييرات الحاصلة في البلاد، واستقراء ومعرفة آراء الناس وبصورة خاصة السياسيين والمثقفيين ورموز المعارضة المستقلين وفي الجمعيات السياسية التي إشهرت بناءً على ما وصف بالتعددية السياسية والحق في المشاركة والمشورة والرأي، وعلى رغم ان السلطة رخصت لهذه الجمعيات بالعمل لتحقيق هذا الغرض، الا أن الامور مالبثت أن فرضت نفسها من خلال قانون الجمعيات بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، الذي وضع الاصبع على الجرح من خلال البنود والنصوص التي تمنع كافة الجمعيات المنظوية تحت هذا القانون من ممارسة النشاط السياسي الحقيقي، واعطتها فقط حق مزاولة الاعمال الاجتماعية والثقافية والتربوية والاقتصادية والخيرية وغيرها ذات البعد الاجتماعي والخدماتي بعيداً عن السياسة، بحكم دورها كجمعيات للنفع العام كما جاء في نص القانون، فنشاء هذا التناقض بين الجمعيات السياسية الذي يفترض أن تكون الاداة الحية لتعميم وعي ونمط سلوكي واخلاقي ومبدئ ذو وظائف سياسية ومطلبية عامة،وممارسة السلطة المحكومة بالغايات والاهداف السياسية المعزولة عن إرادة المجتمع.

المشاهدات والملاحظات بدأت بشكل كبير مبنية على مسارات التحرك الميداني والربط بين شواهد متعددة ومتباينة داخل المجتمع.

لقد رغبت في البداية، أن لا أثير اي من الموضوعات الهامة والحساسة في الشأن السياسي الداخلي، والذي كنت ارى أنه لا يزال غير واضح المعالم وأنه يعاني من صعوبات بالغة ومعقدة، ومن عمليات إبتزاز وترهيب منهجية تقوم بها السلطة عبر مختلف وسائل الاعلام، وعبر التلويح بعودة الماضي القمعي ممثلاً في حرس البلاد القديم، والذي مازال يهيمن على كل مفاصل الدولة الرسمية و يتحين الفرص لتقويض مشروع التغيير، وعلى رغم اصرار البعض وبخاصة رفاق النضال،الذين كرروا مطالبتهم لي بأن اعايش هذه التجربة،وادلوا بدلوي فيها من خلال الكتابة في الصحف المحلية او عقد ندوات أتحدث فيها عن تجاربي في المعارضة والافكار التي أستقرائها في شأن الاوضاع الراهنة في البلاد وتصورات المستقبل،فقد فضلت الابتعاد عن ذلك في هذه المرحلة على الاقل،وبقيت استطلع الاوضاع كمراقب،لأنني بعد لم استطع ان اقرر مصير البقاء في البلاد او العودة الى الخارج لأستكمال عملية النضال الذي تيقنت إنني لن استطيع القيام بها في الداخل، بالرغم مما قيل عن توسيع تدابير الحريات وعن واحة الديمقراطية التي تزدهر في البحرين،فالامور مازالت معقدة ومشروع التغيير تتراجع سقوفه تدريجياً،بفعل تدخلات السلطة كاداة لتمثيل المجتمع، والصعود المتعاظم للقرارات والمراسيم والاجراءات الأستفرادية للملك على حساب الارادة العامة للامة، فقد سمعت وشاهدت عن قرب أشكال تدخل السلطة في خصوصيات بعض الجمعيات السياسية، وممارسات أجهزة الامن ، عدد من الانتهاكات غير المبررة ضد بعض المواطنيين من ذوي الميول السياسية والفكرية،وكانت عناصر من هذه الاجهزة قد أطلقت رصاصة قاتلة على جسد الشهيد محمد جمعة الشاخوري في تظاهرة سلمية من أجل دعم القضية الفلسطنية في البحرين، ولم تحاول السلطة أن تكشف عن أسباب إعتداء أحد موظفيها القائمين على حماية القانون، على مواطن برئ خرج يتظاهر من أجل منع العدوان على بلد عربي مسلم،واكتفت فقط بالاعتذار الذي قدمه الملك لعائلة الشهيد المنكوبة ، وكأن حياة المواطن وكرامته تأخذ بهذه البساطة، وبعد فترة من ذلك قامت هذه الاجهزة بأنتهاك آخر ضد المواطن جاسم احمد سلمان وأعتدت عليه في وضح النهار وهو ذاهب في طريقة الى عمله، حيث أعتقلته خارج إطار القانون واقتادته مكبلاً ومعصوب العينيين الى مركز التحقيق، لأنه كان ضمن الذين خرجوا في تظاهر عارمة للتنديد بالولايات المتحدة واسرائيل، وقد مورست ضده مختلف صنوف التعذيب على مدى ساعتين ولامن رادع،وكانت قبل هذا وذلك،قد مارست خروقات فاضحة ضد مواقع الكترونية للمعارضة على شبكة الانترنت وأمرت بأغلاقها تحت مبررات قيامها بنشر مواد مخلة بالعادات والتقاليد والقيم التي يتمتع بها المجتمع في البحرين.


كومةالحطب التي قد توقد المشعل الملتهب

يوجد أتفاق عام في البحرين، وعلى رغم هذه الخروقات المتكررة، بأن زمن الأضطهاد والقمع الوحشي قد تلاشى بشكل ملحوظ، ولم يبقى سوى أن تكون السلطة جادة في منع القمع وتحقيق الأمن والاستقرار والتعايش السلمي في المجتمع، عبر احترامها للقوانين وللأرادة العامة للأمة، وكان هناك اتفاق أيضاً على ان الصراع والمواجهه التي إستمرت عبر عقود طويلة مضت بين السلطة والمعارضة قد خلفت وراءها الكثير من الاضرار السياسية والاجتماعية والاقتصادية البالغة، التي أنهكت بدورها معظم البنى الاساسية للدولة والمجتمع، ولابد من معالجة كافة هذه الأضرار عبر مصالحة وطنية جادة وحقيقة، وأن السلطة يجب أن تبدأ بهذه المصالحة عبر حوار وطني مسؤل وتكون لديها الشجاعة للاعتذار عن أخطائها التي أرتكبت طوال العقود الماضية في حق الشعب، وقد قادت مراجعة الذات خلال الفترة التي تلت الاستفتاء على الميثاق، بأن كل القضايا العالقة في مشروع التغيير سوف تنتهي عندما تشرع السلطة في تنفيذ نصوص الميثاق على ارض الواقع وتفي بالوعود والمواثيق التي قطعتها على نفسها بأن يكون العهد الجديد عهد إزدهار وتقدم للمواطن البحريني بأن يأخذ نصيبه في العمل والثروة والمشاركة في صنع القرار السياسي، هكذا علقت الآمال على نجاح مشروع التغيير، وكانت الاختلافات الاجتماعية والسياسية والفكرية المتعددة، قد لعبت دورها الاساس في صقل وتطوير التجربة الديمقراطية الجديدة، وتحت أهداف وطموحات هذه التجربة لم توجد هناك إشارة واحدة إلى ان أحداً من قوى المجتمع وجمعياته السياسية سيعمل على وضع العقبات والعراقيل في طريقها، فالجميع كان مدركاً بأهمية نجاح مشروع التغيير وتحقيق اهدافه الساعية لبناء ركائز الدولة الديمقراطية الدستورية الموعودة ، ولكن مالبثت وللاسف الشديد أن سارت الامور بالاتجاه المعاكس الذي أثبت حقائق النوايا السلبية للسلطة والحكم، وعندها تبدد الحلم الديمقراطي الذي ناضلت واستشهدت من اجله أجيال من شعب البحرين، بعد ان نكث الحكم بالوعود والمواثيق وانقلب على دستور البلاد الشرعي الذي إستبدله بدستور المنحة الجديد ، ضارباً بعرض الحائط الانتقادات والاعتراضات التي وجهت اليه من قبل الجمعيات السياسية وغالبية المواطنيين.

لقد حسم الملك موضوع الدستور، وصاغة على النهج الذي وجد فيه ما يناسب أهوائه وطموحاته في السلطة والحكم، ولم يعر اي اهتمام بهذا الشأن لكائن من كان حتى اولئك الذين يستفيد من مشورتهم والمقربين له.

وقد أوما الدستور الجديد، الى صلاحيات واسعة ومطلقة للملك واعتبره فوق القانون وفوق الجميع، أشبه بما كان يمارس في عصور الممالك الاستبدادية القديمة ، التي يعتبر فيها الملوك أنفسهم ( رسل الرب ) وفوق الجميع وفوق القانون ، وقد ساوى المجلس النيابي المنتخب إنتخاباً حراً مباشراً من الشعب، بالمجلس الاستشاري المعين في مختلف قضايا التشريع ، بل وان له الافضلية في ذلك ، اي أن الامور التي يريدها المجلس المعين قد تحدث وليس العكس، ويعني هذا الامر حرمان ممثلي الشعب من قضايا التشريع، ونفي الامه من التمتع من حقها كمصدر للسلطات جميعاً وهو النص الدي اكدت علية الفقرة الاولى من الفصل الثالث لميثاق العمل الوطني وكذلك دستور البحرين .

لم يكن هناك جدل حقيقي حول كيفية مواجهة الانقلاب على دستور البلاد الشرعي، أي دستور العام1973، الذي كان يمثل العقد الاجتماعي بين المجتمع والأسرة الحاكمة في البلاد، بل كانت هناك بعض الانتقادات والاعتراضات، التي لم تترجم في عمل مشترك يتصدى بقوة لمثل هذا التحدي وحتى اولئك النخب والرموز الوطنية والاسلامية التي قادت النضال في الداخل والخارج من اجل عودة العمل بالدستور وعودة المجلس النيابي المنتخب، كثيراً منهم الآن أما أن حصلوا على حفنة صغيرة من الأمتيازات وفضلوا عدم المواجهة مع السلطة، أوإبتعدوا عن الاضواء ، او انهم يفتقرون الى الوضع القوى الراسخ الذي يمكنهم من الضغط للحصول على المطالب الجدية.

وفي الفترة الأخيرة تزايدت الطلبات على تأسيس الجمعيات السياسية والاهلية ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي والحقوقي والتربوي، وبلغت مستويات فاق ما هو معقول بالنسبة لعدد السكان ومساحة الدولة، في نفس الوقت الذي زاد فيه اهتمام هذه الجمعيات، بعقد الندوات واجراء اللقاءات والمشاورات واصدار البيانات وتوسيع شبكات المعلومات،ولكن ما يزال تأثيرها على الوعي العام متواضعاً، ولم تنجح حتى الان في تفعيل وسائل الضغط على الملك او الحكومة، حول استخدام صلاحياتهم المطلقة في مواجهة مطالب الجمعيات السياسية بلعب دور أساس في الحياة السياسية وعمليات إتخاذ القرار.

وكانت خمس جمعيات سياسية هي الاقوى والاكثر شعبية في البلاد، قد اعلنوا في بيان مشترك، إنهم مستمرون في تأييدهم للاصلاحات، لكنهم يعارضون سياسات التهميش التي تتجاهل دورهم في المشاركة وتطوير التجربة الديمقراطية، كما يعترضون على كافة القرارات والاجراءات المنفردة التي تتخذ من دون علمهم ومشاورتهم في الحياة العامة.

هل يمكن أن تتطور الامور وتتغير؟ هذا السؤال كان يتردد بقوة في أوساط المواطنين وفي كافة مستوياتهم، فما هو واضح كل يوم وفي كل مكان في البلاد، هو ان الامور تتعقد وتسير نحو مصير مجهول، لان الحكم مازال يراوغ ويناورفي تنفيد كل ما وعد به ، ويعتمد الخطط والاجراءات التي تناسب طموحاته واهدافه وتمريرها في مشاريع وعطايا ومكرمات، والى متى يمكن ان تستمر هذه الاوضاع المشوشة والمعقدة، لا أحد يجزم قطعياً او يتنبأ بما ستؤول اليه الشهور او السنوات القادمة.

والحقيقة أن الاوضاع الجارية في البلاد، تعكس حالة عامة لدى الناس مفادها أن أحداً لايقبل بما يمارسه الحكم والحكومة بعيداً عن مشاركة الرأي العام واهتمامه بما يحدث على المستوى الداخلي وحتى الخارجي، وكل الدلائل تشير الى تعقيدات الوضع واستمراره على هذه الوتيرة التي يبدو انها تحاول أن توقد كومة الحطب التي بدأت تبرز بالفعل لأشعال المشعل الملتهب والتي ربما تكون مفاعيلها أخطر من تلك التي اشتعلت في سنوات الانتفاضة الشعبية الاخيرة وكاد يغرق البلاد في جحيم صراع سياسي واجتماعي وعقائدي.

فالحالة السياسية الراهنة في البحرين، يمكن وصفها بأختصار انها شديدة التعقيد، وانها تمثل الان إمتداد لحقبة كانت سيئة في تاريخ البحرين، مع فارق بسيط هو ايقاف القمع السياسي وتنظيف السجون لأسباب تتعلق بحريات التعبير والرأي والضمير، لقد انتهى زمن القمع المقنن وخنق الحريات والاعتقالات العشوائية خارج إطار القانون، وبدأت مرحلة جديدة للوضع العام في البلاد تعتمد على إستلاب الارادة الشعبية، ليس بأستخدام أدوات القمع والتعسف العام، بل بواسطة الدستور الجديد والقوانيين التي قدمت نفسها بديلة عن الدستور التعاقدي وحرية الشعب في إختيار نظامه الاجتماعي والاقتصادي وانظمته الداخلية وتوجهاته في مجال السياسة الخارجية.

ومن المستحيل في ظل دستور ممنوح من إرادة واحدة وقوانيين مصاغة بطريقة ذكية لمحاصرة الديمقراطية وحرية الخيار السياسي، أن تكون البحرين مملكة ديمقراطية دستورية، او مملكة يقتدى الاخرين بتجربتها وبمشروعها السياسي، بحسب ما يتصورة الحكم وتروج له وسائل الاعلام.

لذا فأن من المؤكد أن تستمر إحتجاجات القوى السياسية والاجتماعية ضد هذه السياسة الخاطئة، حتى يمكن العثور على صيغة ترضى تطالعاتها في مجتمع ديمقراطي دستوري حقيقي يتساوى فيه الجميع في الحقوق والواجبات.

وقد تكون هذه فرصة سانحة للقوى السياسية والشعبية لمراجعة الذات واعادة بناء نفسها على مرتكزات صحيحة وقوية وموحدة لمواجهة تلك التحديات، بدلاً من المراوحة والمشاحنة والأنتظار الطويل الذي قد يكرس تطبيع واستقامة الأمور على قواعد خاطئة وغير سليمة ، ولايمكن التحرر منها بغير تجديد المقاومة المدنية ، على طريقة الانتفاضات الشعبية التي عصفت بالبلاد على مدى العقود البعيدة .

بالنسبة لدور الجمعيات السياسية والتي يفترض انها تمثل فعاليات وشرائح مجتمعية وعقائدية متعددة، فأنها ما زالت في نظر السلطة ليست أكثر من مجرد جمعيات للنفع العام،وهي استمرت خاضعة بالفعل تحت مظلة قانون الجمعيات بوازارة العمل والشؤون الاجتماعية، وسياسياً ظلت هذه الجمعيات حتى اللحظة لا تستطيع التدخل في الشأن السياسي الجدي والحساس، سواء بما يتعلق بطرح برامجها الانتخابية او بترشيحاتها للأعضاء المرشحون لانتخابات المجالس البلدية والمجلس النيابي، وبحسب التصريحات الأخير لوزير شؤون مجلس الوزراء محمد المطوع،عبر الصحافة المحلية، فأن الجمعيات السياسية التي مازالت تخضع لقانون جمعيات النفع العام، ستبقى خارج البرامج والدعاية الانتخابية للبرلمان القادم، وهذا يعني عدم تمكيتها من اعلان لوائح او تقديم مرشحين، أو دعم الاخرين بأسمائها وبشعارتها الانتخابية، ومن المشكوك فيه جداً أن تتراجع السلطة عن تحقيق هذا الهدف قبل أن يجري تغيير جوهري في مادة قانون الجمعيات يتيح لها هذه المشاركة، ومن المشكوك فيه ايضاً ان تضاف مادة في الدستور الجديد تسمح بالتعدديه الحزبية ما يعني أن عمل ونشاط هذه الجمعيات السياسية، لا يقتصر سوى على ممارسة الحاجات الاجتماعية والثقافية والفكرية من نفس طبيعة جمعيات النفع العام وليس مرتبطاً بطبيعة الممارسة السياسية، بحيث تتجه اهداف وبرامج هذه الجمعيات الى الانفتاح على نشر الثقافة والوعي الاجتماعي والخدمات العامة، ويتجه الحكم الى ممارسةالسلطة وصنع القرار السياسي بمعزل عن الاخرين .

ولكنه في الفترة الاخيرة وبعد توسع الانتقادات والضغوط الكبيرة التي مارستها أربع جمعيات سياسية ضد قرارات الحكم بشأن الانتخابات تراجع الاخير عن تمسكه بالمرسوم بقانون مجلس الشورى والنواب الذي يحضر على الجمعيات السياسية دعم المرشحين او المشاركة في الحملات الانتخابية لمرشحيها، الا أن ذلك التراجع لم يثني تلك الجمعيات عن تغيير رأيها من مقاطعة الانتخابات النيابية القادمة، واصرارها على ضرورة استمرار الحوار للتوصل الى حلول مرضية تثبت المكتسبات التي حققها شعب البحرين وصولاً الى تمتين الجبهة الوطنية وأرساء دعائم المملكة الدستورية(1)

واقعياً على الارض، تعني هذه الظروف في الوقت الراهن، انه لن يحدث تغيير جوهري بالمعنى الحقيقي والجدي لهذه الاشكالية المعقدة الذي فرضها الحكم فرضا على الشعب، وهناك أصوات كثيرة ترتفع من داخل هذه الجمعيات ومن بين الناس، تطالب بحق المشاركة السياسية وصنع القرار التي كرستها نصوص الميثاق، وعندما التقيت بالعديد من المواطنيين بينهم رموز سياسية وطنية واسلامية، وجدتهم يشعرون بالمرارة من كل ما يحدث على أرض الواقع، من إنتهاكات بالغة لهذه الحقوق، ويقولون بأنهم خذلوا وخدعوا بالوعود والتصريحات والاقوال المعسولة التي صاحبت مشروع الاصلاح، ولكنهم لم يجدوا سبيلاً مناسبا غير مواجهة هذه التحديات بالوسائل السلمية والعصرية، في نفس الوقت تحوم هناك شائعات عن أن إخفاق مشروع الاصلاح في تحقيق أهدافه ومقاصده يعني العودة الى الماضي القمعي والتعسفي، حيث مازالت الاجهزة ورموز الحرس القديم تختفي وراء الكواليس، وتتحفز لوضع العصي والدواليب لتتقويض المشروع، وهو إحتمال وارد وله ما يبرره، وهو أن نفوذ هذه الاجهزة وهذه الرموز مازال يشكل القوة الضاربة في سياسات الحكم والحكومة، والدليل على ذلك هو رسوخ بقائهم في مواقعهم حتى الآن، فضلا عن تكريم بعضهم ومنحهم أوسمة ومراتب وزارية وأدارية عالية ترمز الى الحاجة الملحة بالاستفادة منهم في وقت الشذة والضيق.ً

وضع القوى السياسية

في الوقت الذي باركت فية الجمعيات والقوى السياسية والاجتماعية الخطوات الكبيرة التي صورها مشروع الاصلاح لمستقبل البحرين الديمقراطي الدستوري، والتي جاءت إندفاعتهم للمشاركة في صقل وتطوير هذا المشروع كتأكيد على رغبة وطنية وشعبية جامحة بأحدات تغييرات سياسية واجتماعية واقتصادية جوهرية تاريخية وبما يتلائم مع الحد الادنى من تطلعاتها ومتطلباتها بالمشاركة في الحياة السياسية العامة وفي صناعة القرار، وفي نفس الوقت الذي كررت القول بضرورة إعطاء الحكم الفرصة لصقل وتحديد كل توجهات هذا المشروع والمضي فيه قدماً وعدم الحكم على تلك التوجهات مسبقاً، حاول الحكم من الاستفادة القصوى من هذه الفرصة، وبدأ يتصرف كما لو انه وحده فقط المسؤول عن هذا التغيير، وفجأة إنقلب على الوعود والمواثيق التي قطعها أمام الشعب واستفرد بصنع القرار وطرح دستوراً جديداً للبحرين لم يتم التوافق عليه، وأمعن في استغلال السلطة وتحويلها بالكامل لخدمة مصالحه، وضيق على الجمعيات السياسية التي يفترض انها تمثل أصوات المجتمع بوسائل متعددة، منها عدم السماح لها بالمشاركة في الشأن السياسي وفي الاعلان عن مرشحيها للانتخابات البلدية والنيابية، وغير ذلك من المخالفات الكثيرة للدستور وللقيم الديمقراطية واعرافها.

فقد تباينت المواقف والاتجاهات ورودود الافعال لدى الجمعيات والقوى السياسية في المجتمع أزاء هذه الممارسات الخاطئة وبشكل خاص التعديلات الدستورية وقانون الانتخابات البلدية والنيابية والمسألة التشريعية المرتبطة بمجلس الشورى المعين والمجلس المنتخب، ومنذ فترة طويلة كان يدور الجدل ويتسع حول ذلك.

فبينما أيدت التيارات الاسلامية السنية ومعها جميع القوى المؤيدة للسلطة، التعديلات الدستورية والاجراءات المتبعة لتنظيم الانتخابات العامة البلدية والنيابية، عارضتها صراحة التيارات الاسلامية الشيعية "جمعية الوفاق الوطني الاسلامية" وهي اكبر الفصائل الشيعية من حيث القاعدة المدهبية والرقعة الجغرافية" و"جمعية العمل الاسلامي"( الجبهة الاسلامية لتحرير البحرين سابقاً) إضافة لبعض التيارات اليسارية والقومية مثل"جمعية العمل الوطني الديمقراطي"( التي تسيطر عليها مجاميع من قيادات وكوادر وقواعد الجبهة الشعبية سابقاً) و"جمعية التجمع القومي"(الذي يظم تحت لوائه عدد من العناصر القومية والبعثية" بينما إتخذت "جمعية المنبر التقدمي" موقفاً واضحاً من الانتخابات النيابية واعلنت في بيان وزع منذ اكثر من أربعة شهور مضت أنها ستخوض المعركة الانتخابية هده ، ولن تقاطعها بالمطلق .

وعلى عكس المواقف المؤيدة للمشاركة النيابية، جاء بيان الجمعيات السياسية الاربع"الوفاق والعمل الاسلامي، والعمل الديمقراطي والتجمع القومي" وتصريحات رؤساءها في ندوات سياسية ولقاءات تشاورية مشتركة رافضة التعديلات الدستورية وقانون الانتخابات الذي بموجبه تم عزل الجمعيات عن المشاركة وتفعيل حقها في طرح البرنامج الانتخابية و الاعلان عن المرشحين، وأكدت في تصريحات بعض مسؤليها على أن السلطة في إجراءاتها الملتوية و غيرالواضحة وفي توزيع الدوائر الانتخابية على أساس غير عادل وفي اعطاء الافضلية للمجلس الاستشاري المعين، عازمة على كسب المزيد من المرشحين الداعمين لمشروعها السياسي، وتحاول أن تعيد إنتاج مجلس شورى عام1992 غير الدستوري وهذه المرة من غرفتين وبشكل اكثر غربة عن تطلعات وأهداف المجتمع.

وفي هذا السياق أعلنت شخصيات وطنية واسلامية معارضة مازالت تقيم في الخارج تأييدها للبيان الرباعي الى مقاطعة الانتخابات النيابية القادمة بأعتبارها مجرد إنتخابات شكلية لكونها لا تحقق المشاركة الشعبية العامة وتنقصها سلامة الممارسة الديمقراطية وصلاحيات التشريع.

وفي عملية إستطلاع للرأي في البحرين، تم التوصل الى أن الغالبية المطلقة قد دعمت وأيدت التحولات الديمقراطية التي بدأها ميثاق العمل الوطني، ولكنها اليوم تجد أن سقوف هذه التحولات تتراجع للخلف حيث يحاول الحكم تحويلها لمصالح شخصية وفئوية ضيقة وعزل المجتمع عن المشاركة وصنع القرار.(2)


وضع القيادة السياسية

تبدو القيادة السياسية في المرحلة الراهنة على الأقل في وضع مريح للغاية، فالملك حمد بن عيسى، قد تمكن من كسب الرهان على مشروعه الاصلاحي، وحصل على تأييد الغالبية المطلقة من خلال التصويت على ميثاق العمل الوطني الذي منح العائلة الحاكمة ( شرعية السلطة والحكم ) الذي كان يتعسر حصولها في السابق لاسباب موروث الغزو، وأثبت انه يعرف كيف ينفد خططه و أهدافه ومشاريعه الذاتية، وكيف يناور ويراوغ، والأهم من ذلك أن لديه طموحات هائلة للوصول الى الطريق التي رسمها وخطط لها بدقة متناهية مع تعريفه لمفهوم"الديمقراطية الدستورية" المفصلة اكثر على مقاسات "زعيم القبيلة" وليس ملوك الممالك المتقدمة.

ورئيس الوزراء خليفة بن سلمان، وبالرغم من الانتقادات الشديدة التي يتصدى لها على المستوى الشعبي، الا انه لا يزال يعتبر الرجل الاقوى في الدولة الذي يحظى بتأييد ودعم الملك ومجلس العائلة المالكة، ويمتلك قاعدة نفوذ قوية بين وزرائه وداخل مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والاعلامية، واستطاع الحصول على المساندة لوضعه في اوساط التجار والمستثمرين محلياً وعالمياً من خلال دعمه للنشاط التجاري والاقتصادي، واللافت للنظر انه لم يبرز أي دور رئيسي لولي العهد سلمان بن حمد بن عيسى الذي كان يكثر من الظهور في بداية مشروع الاصلاح، حيث ساد الاعتقاد بأنه سيكون فارس المرحلة الجديدة وصاحب النفوذ الأوسع في السلطة.

وهناك شائعات تقول بأن رئيس مجلس الوزراء ، حاول أن يسحب البساط من تحت أقدام ولي العهد، لكي يعطل دوره ونفوذه في المشروع، وينأى به عن الأضواء حتى لا يتحول الى لاعب منافس رئيسي في عمليات صنع القرار السياسي.


حريات التعبير

أخذت حريات التعبير والرأي تتغير بشكل جدي ، ومنذ الغاء قانون ومحكمة أمن الدولة في العام 2000 والذي كان قد أثار جدلاً واسعاً طوال ربع قرن من الزمن، حيث توقفت عمليات الاعتقال خارج إطار القانون ونظفت جميع السجون من المعتقلين والموقوفين والمحكومين لأسباب سياسية وعقائدية، ولكن بالرغم من ذلك فأنه لن يسمح بأي شكل لأية محاولة ينتقد من خلال ما يمكن أن تمارسه السلطة من قرارات واجراءات سياسية واجتماعية واقتصادية، او مسائلة ومحاسبة المسؤولين الذين إرتكبوا جرائم في حق الانسانية، ففي بداية اعلان مشروع الاصلاح، اعطت السلطة مساحة واسعة لتداول الرأي وعقد الندوات ونشر المقالات السياسية وغيرها، ثم قلصت هذه المساحة بفعل بعض القيود الصحفية على الموضوعات السياسية والندوات الهامة والحساسة، وقامت السلطة في الفترة الاخيرة بفرض مراقبه صارمة على مواقع شبكة الانترنت واقدمت على منع واغلاق العديد من هده المواقع الاعلامية، كما تتعمد ممارسة بعض صنوف الارهاب الفكري ضد بعض الجماعات السياسية والدنيية وتتوعد الناس وتخيفهم من عواقب تراجع مشروع الاصلاح الذي بات في نظر الكثيرين بأنه ليس سوى مجرد مشروع يدل بوضوح على رسوخ بنية السلطة واليات ممارستها بأستقلال واضح عن مشاركة القوى السياسية والاجتماعية وغيرها في الحياة السياسية العامة وصنع القرار، وهو ما صارت تؤكد عليه القرارات والأجراءات والمراسيم الملكية التي أخدت تختزل حياة الدولة اليومية من القاعدة الى القمة.


الوضع الاقتصادي المعيشي

بعد مضى اكثر من عام على الوعود التي قدمتها السلطة، لتطوير وتنمية الاقتصاد الوطني، وتحسين ظروف معيشة المواطنيين وتوفير فرص العمل لهم في مختلف القطاعات الرسمية والاهلية ، فأنها لا تزال عاجزة عن تحقيق ما وعدت به، فلا الحياة المعيشية الصعبة لفئات وشرائح المجتمع قد تحسنت وتغيرت ، ولم تحل حتى الان مشكلة البطالة المتنامية في اوساط المواطنين، والدليل على ذلك هي تلك التظاهرات التي كانت تحتشد بأستمرار على أبواب وزارة العمل والشؤون الاجتماعية المطالبة بتوفير فرص العمل للمواطنين وبخاصة أصحاب المؤهلات العلمية الجامعية،وعلى الرغم من عدم توفر تقديرات دقيقة حول مستويات المعيشة للمواطنيين،فأنه يلاحظ بشكل عام تفشي ظاهرة الفقر في مجتمع خليجي نفطي،وهناك فئات وشرائح إجتماعية معدمة تعيش تحت مستوى الفقر،وقد لاحظت ذلك في العديد من مناطق القرى والاحياء الفقيرة المحيطة بالعاصمة المنامة،حيث لا تزال هناك بعض العائلات تعيش تحت سقوف صفائح التنك والبيوت الخشبية القديمة.

وبالأضافة الى انتشار ظاهرة البطالة وهبوط مستويات الدخل والاستهلاك وتردي الشروط الصحية للسكن في مناطق عديدة وبخاصة القرى، برزت هناك ظواهر ملفتة لم يعتاد عليها المجتمع البحريني، ومن أبرزها ظاهرة التسول في مختلف مناطق البلاد ، وتفشي الفساد في العديد من وزارات وأدارات الدولة الرسمية .

وتعاني المناطق الفقيرة في البحرين بشكل أساسي من نقص واضح في الخدمات الاساسية الظرورية مثل المرافق الصحية والمستشفيات والمنتزهات العامة والطرق المعبدة والاشارات الضوئية وغيرها، وعلى الفئات الفقيرة والمعدمة في المجتمع صراع البقاء ضد موجات الغلاء الفاحش وتفشي الفساد، تلك السياسات يتم فرضها من قبل السلطة للضغط على حياة المواطن وتركيعه من اجل ان تبقى هي واحدها فوق الجميع وفوق القانون.

هذا الوضع يختلف في المناطق التي يقطنها أفراد من الاسرة المالكة وكبار المسؤلين في الدولة، حيث هناك تنمية عالية من التنظيم العمراني ووسائل الترفيه والخدمات الاساسية الضرورية وكل شئ قائم بحسب الاصول.


الاستنتاج

في الوقت الذي تجري فيه محاولات متكررة لتحسين الاداء السياسي ومجالات حقوق الانسان في البحرين، وفي الوقت الذي توفرت فية إرادة الجميع حكومة وشعباً لأستتباب الامن والاستقرار، بعد موجة الاحتجاجات والاضطرابات الواسعة التي شهدتها البحرين، منذ مطلع العام 1992وحتى الشهور الاخيرة من العام 2000، فأن هناك الكثير من الشكوك حول ضمانات الاستقرار والاستمرار للديمقراطية السياسية وتوسيع تدابير الحريات، فقد تراجعت سقوف مشروع الاصلاح، وأصبحت العملية الديمقراطية محاصرة، بقوانين واجراءات ومراسيم ملكية مفروضة من فوق ودستور مصطنع وممنوح من الملك من دون إرادة الرأي العام.

وخلافاً لما هو منصوص عليه في الدستور التعاقدي وميثاق العمل الوطني، وكافة الوعود والمواثيق التي قطعها ملك البحرين، بأن عهد جديد سيبدأ في البحرين، سوف يصل في المستقبل القريب الى القبول بالتعددية السياسية والمشاركة الشعبية في صناعة القرار السياسي، الذي يلغي أحتكار السلطة والتمسك بالامتيازات، ولكن ماهو ملاحظ بشكل عام في المشهد السياسي هو طغيان قبضة الحكم على كل مفاصل القرار السياسي، وتجاهل دور الارادة العامة، فهناك مساحة لحريات الرأي، وهناك جمعيات سياسية ومنظمات حقوقية، لكنها لا تتمتع بحرية المشاركة في القرار وادارة الشؤون العامة، او يحق لها مسائلة السلطة.

إختصار الحريات السياسية يتزامن مع إختصار متزايد لحرية الصحافة، حيث تحاول الرقابة الاعلامية ان تمنع نشر المقالات الجدية والمثيرة التي تنتقد الاوضاع السلبية والسياسات الخاطئة في البلاد، وقد اغلقت منذ فترة، مواقع مهمة على شبكة الانترنت ومنعت بعض المقالات الصحفية او تمت تجزءتها، الامر الذي يعيد الى الاذهان صورة المراقبة الامنية المشددة وانتهاكات حريات الرأي.

ان الاتجاه العام في البحرين، وبرغم ما استخلص من نتائج سلبية لمشروع التغيير، والقلق على مستقبل الديمقراطية وحقوق الانسان، والذي بداء يتصح جلياً من الغاء دور المعارضة سواء الجمعيات السياسية او في أوساط الشعب، فأنه لايزال ينهج سياسة عدم المواجهة والتصادم العنيف مع السلطة، ويدعوا الى الصبر والتفهم والمرونة في التعامل مع مثل هذه الامور الخطيرة، وهناك اليوم من يشجع على قيام جبهة وطنية ديمقراطية واسعة تتشكل للتعبير عن رفض المجتمع لكل الممارسات الخاطئة والاستئثار الفردي لصنع القرار، وتكون سنداً للشعب وقادرة على دعمه في نضالاته المتكررة من اجل كسب حقوقه المشروعة السياسية والاجتماعية.

ان البحرين اليوم وفي هذه المرحلة بالذات، مرحلة ما بعد الميثاق، هي بحاجة ملحة الى نظام حكم ينهج سياسة حكيمة قائمة على المشاركة الشعبية العامة، ومعارضة ديمقراطية قوية في اوساط الشعب، وليست هناك أدنى فرصة لضمان الامن والاستقرار واستمرار الديمقراطية السياسية، الا عندما تتكاتف الجهود وتتوحد المواقف والاهداف والطموحات الساعية للتفاهم القائم على المنطق والعقل والحق والمساواة، لا على الهواجس والخوف وسلب الأرادة الشعبية.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ*(1-2) ملاحظتين تمت إضافتهما مؤخراً.

*كاتب بحريني مقيم في الدنمارك.

الدنمارك 15 . 8 .2002