الأحد، 14 ديسمبر 2008

أميركا الشرق(بولندا) ... بعد عقدين من الديمقراطية.



بعد مضي 19 سنة ، على التحولات التي شهدتها بولندا ، في أعقاب إنهيار النظام الشيوعي منذ العام 1989 ، وتسلم نقابة التضامن العمالية زمام السلطة في البلاد ، كانت هناك وعود كثيرة أطلقها زعيم النقابة، ليش فاليسا، والذي أصبح في مابعد ، أول رئيس منتخب للجمهورية البولندية بعد سقوط الشيوعية ( وأصبح اليوم مجرد تاريخ )، لجهة تحرير بولندا من سيطرة الاقتصاد المركزي والبيروقراطية المفرطة التي ضغطت على حياة المواطن البولندي. هذه الوعود الكبيرة حاول زعيم نقابة التضامن من خلالها دغدغة أحلام الجماهير البولندية العريضة لاستقطابها نحو مشروعه السياسي المدعوم من الولايات المتحدة الاميركية والغرب، وبشكل خاص من جانب دولة الفاتيكان ، ( حوالي عشرة ملايين مواطن بولندي – أعضاء رسميين في نقابة التضامن ) أغرتهم الوعود الرنانة ، بتحسين مستويات المعيشة والثراء السريع والانفتاح على العالم الخارجي ، وبأن كل مواطن بولندي يعمل بجد وتفاني سيصبح من أصحاب الملايين ، وبجعل بولندا المثقلة بالفقر والمشاكل الاقتصادية المزمنة أن تصبح ( اميركا الشرق ).

هكذا وعد الرئيس البولندي الاسبق ليش فاليسا ، شعبه التائق الى وصول ( جنة الغرب ) المستعصي عليه بلوغها خلال حقبة الحكم الشيوعي الشمولي ، الجنة التي ستحقق كل أحلامه وأمانيه في الدولة الديمقراطية الحديثة.

ولكن مالذي تحقق بعد كل هذه السنوات الطويلة؟ الذي تحقق بحسب غالبية البولنديين ، هي الصعوبات البالغة في الحياة المعيشية اليومية مع ( خطوات إلى الوراء ) تخطوها الديمقراطية البولندية التي تستمد قوتها الذاتية من خلال الأنظمة والمساعدات الاقتصادية الغربية المقننة ، بعد إنضمامها إلى عضوية الاتحاد الاوروبي ، مع بضع منح إقتصادية هزيلة ومشروطة من قبل الولايات المتحدة الاميركية. وقد ظهرت بشكل واضح مؤخرا من خلال فرض إقامة الدرع الصاروخية الاميركية في الاراضي البولندية، الدولة الجارة والحليف القوي السابق للاتحاد الروسي بقصد تهديد أمنها ، فالتحولات الجديدة التي مازالت تتأرجح بها الحكومات البولندية التي تولت السلطة بعد التغيير ، لم تستطع ان تحقق للمواطن كل ما كان يطمح اليه ويأمله. فقد ناضل هذا المواطن وبذل التضحيات من أجل التغيير والانتقال من واقع القهر وخنق الحريات ، إلى وضع المنتصر بعد هزيمة النظام الشيوعي العنيد ، يمكن أن تتحقق فيه الرفاهية والازدهار والتقدم وأسباب الامن ، ولكنه لم يحصل سوى على شعارات رنانة حول الرفاهية والرخاء الاقتصادي والتقدم ، مازالت تزينها عناوين عريضة في مختلف وسائل الاعلام الرسمية والخاصة التي دأبت على المديح والتهليل لحفنة العطاءات الاميركية والاوروبية، ونكران الجميل لكل ماقدمه لها الاتحاد السوفياتي السابق من عطاءات جزيلة في مختلف الميادين وبخاصة النفط والغاز والتصنيع العسكري.

ففي هذا الوقت بالذات ، ونتيجة لعدم وجود تغيرات حقيقية جوهرية ملموسة على مستوى الاقتصاد وتوفير فرص العمل للمواطنين ، لم يعد المواطن البولندي يحلم ب ( جنة الغرب ) التي سحره بريقها في حقبة ما قبل التغيير ، ثم بخلت عليه بخيراتها الهائلة ولم تقدم له سوى فتات موائد شعوبها رغم شراكته لتلك الشعوب في عضوية الاتحاد الاوروبي ، وبأن تصبح بلاده ( أميركا الشرق ) بعد أن توسعت محاولات تفقير غالبية الشعب بفرض الضرائب الباهظة عليه، بفضل الديون المتراكمة على الدولة لحساب صندوق النقد الدولي والمنح المالية الاميركية المشروطة. لم يعد ذلك المواطن يثق بما قد يقوله القادة البولنديون القابضون على زمام الامور في البلاد ، وحتى أحزاب المعارضة التي مابرحت ترفع شعارات التجديد والتقدم. اليوم يتضح العبوس مرتسما على شفاه المواطنين البولنديين الذين يغادرون البلاد بأعداد هائلة للعمل في مختلف دول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الاميركية وحتى بلدان الشرق ، ثم يواجهون هناك التحديات والمخاطر المجحفة في العمل والاقامة. لقد فقد البعض كل أمل بمستقبل مزدهر ، بعد أن أخذت الامور تنزلق بهم الى ضنك العيش والمستقبل المحفوف بالمخاطر. بولندا تحولت وبعد سنوات من الوعود إلى خزان للمهاجرين الباحثين عن فرص عمل في أوربا الغربية، وكل بقاع العالم.

لقد كثرت الشعارات التي تدافع عن الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة للمواطنين ، في ظل سياسة الانفتاح و إقتصاد السوق وفرص الاستثمار المتعددة الجنسية التي غزت بولندا في السنوات الاخيرة ، ولكن مستويات معيشة المواطنين ، مازالت تسير نحو ( الاسوأ) بحسب تعبير أحد الاقتصاديين البولنديين ، ومايتردد في أنحاء متعددة من بولندا أن ( الآتي أعظم ) حيث يتوقع الناس أن تشهد البلاد موجات عالية من الغلاء الفاحش في أسعار السلع الاساسية الاستهلاكية اليومية ( التي كانت خلال الحقبة الشيوعية مدعومة من الدولة وتباع بمبالغ زهيدة للغاية )، وإرتفاع الضرائب وإجور السكن والوقود، وهذا ما بات يشكل إحدى الهموم الحياتية الصعبة للمواطن البولندي. فالجنة التي وعدوا بها ذات يوم تحولت إلى سراب.


البحرين في مناخ التغيير ... مصادرة خيارات الاخرين


انطباعات حول زيارة استطلاعية ( 4 )

هاني الريس

كانت عودتي الرابعة الى البحرين في14 ديسمبر 2006 ، حيث قام بواجب ترتيبات الاقامة والسكن في البحرين، مشكورا على مافعل ، الصديق وليد عبد الرحمن الدكير ، وكدلك توجيه الشكر الجزيل لجميع الاخوة الاعزاء الدين قاموا بواجباتهم تجاهي خلال هده الزيارة ، واذكر منهم بالخصوص الزملاء عبدالرحمن محمد النعيمي – شافاه الله وعافاه – وعلي قاسم ربيعة ورضي الموسوي وعبدالنبي العكري وعبدالله الدرازي وجميل خلف العلوي وسعيد العسبول ومحمد عبد الجليل المرباطي وعبدالجليل النعيمي ومصطفى حسين العلوي ومحمود عبدالصمد الشهابي ، وفاطمة الجاسم وبدرية علي،وعدد كبير من الاخوة والاخوات الاعزاء والاصدقاء القدامى الدين لم ينسوا أصدقائهم ، وقد إستغرقت الاقامة في البحرين قرابة الشهر ، وكان الهدف الابرز من هده الزيارة ، هو المشاهدة عن قرب كل ماتوصلت اليه الامور في البحرين ، بعد مرور ست سنوات كاملة على الانفراج السياسي ، بعد تحويل دولة المراقبة الامنية الى مملكة ،وذلك لكي أخرج بأنطباعات مبا شرة وميدانية على مستوى مواقف واراء المواطنين على مختلف توجهاتهم وانتماءاتهم الاجتماعية والسياسية والفكرية ، من تداعيات هدا التحول ، والرؤية الشاملة لمستقبل البلاد السياسي

وعلى الرغم من عدم تعرضي لاية مضايقات أو ملاحقات من قبل الاجهزة الامنية ، الدي حدرني من تواجدها في الميدان لرصد كل واردة وشاردة من تحركات المواطنين ، بعض الاصدقاء العارفين ببواطن الامور ،إلا انني كنت على الدوام واثقا من تحقيق مهمتي حتى لو تحرش بي احد افراد هده الاجهزة ، فسأكون مستعدا لكل المخاطر من أجل تحقيق هدا الهدف

الكبت والاحباط والشعور بعدم الامان

منذ الوهلة الاولى التي بدأت بها التحرك الميداني للقاء بالمواطنين ، رأيت العبوس يرتسم على وجوه معظم الناس الدين التقيتهم وحاورتهم وطلبت منهم الرد على أسئلة طرحتها عليهم حول الاوضاع القائمة في البحرين إنذاك ، وكانت لهجة الاستياء واضحة في النفوس من كل ما تمخضت عنه خطوات ( مشروع الاصلاح ) في البلاد ، الدي بدأ العمل بتنفيده على الارض في العام 2001 ، ب ( إرادة أميرية متفردة ) ومن دون إستشارة المجتمع ، ومن خلال حواراتي المطولة مع بعض المواطنين العاديين ورجال السياسة والمثقفين ، الذين قابلوني بناء على إتصالاتي معهم ، تأكد بما لايدع مجالآ للشك بالنسبة لي على الاقل ،بأن هناك إجماع واسع النطاق ،على أن هناك أخطاء عديدة وكبيرة وفادحة لحقت ب ( المشروع ) وغيرت مسارات توجهاته الديمقراطية والدستورية التي صوتت لها الغالبية الساحقة من شعب البحرين في ميثاق العمل الوطني ، وأن المسؤل الاول والاخير عن إقتراف كل هده الاخطاء الفادحة -بحسب أراء هؤلاء الناس – هو الحكم ومعه من كان يروج لاصلاح البيت من الداخل ، مع علم الجميع بأن ركائز ( المشروع ) لم تكن صلبة وواضحة

لقد بدأ هدا ( المشروع ) كما هو معروف بتطمينات ووعود رنانه بنشر فيم الديمقراطية والحكم الدستوري من خلال الحرص على تفعيل المواد الحيوية المعطلة من دستور البحرين العقدي للعام 1973 ، وعودة الحياة النيابية العامة وحماية حقوق الانسان وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين من دون تمييز أو تفضيل ، وعلى هدا الاساس ، أيدت القوى الوطنية والاسلامية الفاعلة على الساحة هدا ( المشروع ) وحثت المواطنين للتصويت له وتأييده ، ولكن المفارقة عندما حصل الحكم على صكوك المبايعة والتأييد ، إنقلب على الوعود والتعهدات التي قطعها على نفسه بالتغيير الجوهري والحقيقي ، وأعلن من جانبه عن الغاء الدستور التعاقدي للعام 1973 ، وإستبداله بدستور ( منحة أميرية ) مفصلآ على قامة السلطة والحكم

وهدا الانقلاب على الوعود والتعهدات ، قد ولد كبتا وإحباطا ومشاعرا بالخوف والقلق على مستقبل الاوضاع في البلاد ، واضافة الى ذلك فقد شرع الحكم في مخطط سياسي واجتماعي خطير يرمي الى تمزيق وتفتيت وتماسك وحدة المجتمع ، كشف عن جوهره تقرير المستشار السابق في وزارة الخارجية البحرينية صلاح البندر ( بحرين جيت ) حيث افشى التقرير بما هو مستور من أسرار مخطط الطائفية الرهيب ، والدي كاد أن يشعل فتنة طائفية كبيرة تحرق الاخضر واليابس في البلاد ، لولا حكمة العقلاء من أبناء هدا الوطن الدين قضوا عليها في مهدها

ولايتوقع المواطنون الدين قابلتهم ، اي مبادرة أمل تحول من دون تراجع الحكم ، عن كل ما كان قد بدا به من تجاوزات ، ويقرون بأن الخطوات التجميلية التي يقوم بها الحكم بين الفينة والاخرى ، إنما هي



مجرد ذرء الرماد في العيون من اجل اخماد أية تحركات شعبية قد تقلق مضاجعه

لقد كان ( المشروع ) الدي يفترض بأنه كان جسر تحويل الدولة الى مملكة ، أصبح بقدرة قادر مشروع لتكريس سياسات الماضي القمعي التعسفي الدي مورس من قبل الحكم طوال أكثر من ثلاثة عقود من الزمن مع تغييرات طفيفة لبعض الادوات القمعية التي كانت تشوه صورة الحكم في المحافل القارية والدولية، وعلى مستوى منظمات حقوق الانسان ، وجعلها أكثر ملائمة مع الواقع الجديد الدي تعيشه البلاد ، بعد أن اراد لها صانعي ( المشروع ) أن تساير التحولات الديمقراطية التي شملت العالم برمته ، فبعد أقل من عامين على قيام ( المشروع ) كشرت العوائق والتحديات عن أنيابها ، فظهرت بشكل لالبس فيه مظاهر التفرد التام بصنع القرار السياسي ، وتوزيع الهبات والعطايا والمكرمات لكسب الولاء وشراء الذمم ، وتفشي الفساد والعطالة عن العمل وتبذير المال العام وعجز موازنة الدولة عن تسديد نفقات البناء والتنميةالاقتصادية والبشرية التي كانت مطروحة للعمل في سنوات لاحقة، ومشكلة التجنيس السياسي وإتساع الفوارق الطبقية بين مختلف الفئات والشرائح الشعبية ، وإختلالات واضحة للهياكل الاقتصادية والسياسية والامنية ، وخنق الحريات العامة والعبث بأوراق الانتخابات العامة وتقليص وتحديد صلاحيات المجلس النيابي المنتخب ، وتهميش دور الجمعيات السياسيةالمعارضة ، وتوسيع الاجراءات والمراسيم الاميرية ومن بعدها الملكية التي شكلت الخطوات المهمة لتأزيم الاوضاع

ان المتأمل في التراجع الشديد ل ( المشروع ) وبخاصة خلال السنوات الخمس الاخيرة ، لايخالجه

الشك بأن ماقيل عن قيام دولة القانون والمؤسسات في البحرين هو مجرد ( كذبه كبرى ) أراد من خلالها الحكم صرف الانظار عن أخطائه وممارساته القمعية

وقد أسهم الجدل الحالي في زيادة الشكوك بمصداقية ( المشروع ) الدي مازالت سقوفه تتراجع بشكل واضح على إيقاعات التفرد بصنع القرار وخنق الحريات وإتساع نسب البطالة وتصاعد موجات الغلاء الفاحش خاصة بالنسبة للطبقات المتوسطة والمعدمة ، ويقابل دلك زيادة النفقات الخاصة بمؤسسات الدولة الرسمية وشبه الرسمية ، والتي تلتهم الجزء الاكبر منها وزارتي الدفاع والداخلية والحرس الملكي وعمال ومستخدمي قصور كبار أفراد العائلة المالكة والوزراء ، والخوف من تصعيد وتيرة الاجراءات والمراسيم الملكية التي تحاول بسط نفودها على ماتبقى من بصيص أمل للمواطنين الدين صوتوا لهدا ( المشروع ) على أساس الوعود والتطمينات للخروج من بالبلاد من النفق المظلم الدي سادها طوال حقبة قانون أمن الدولة السيء الصيت ، فما اكثر الدين اكتشفوا بعد فترة قصيرة من إنطلاقة هدا المشروع الاخطاء الفادحة التي تسببت بالخوف والقلق على مستقبل البلاد في ظل التفرد المفرط من قبل السلطة والحكم بكافة قرارات الدولة والمجتمع ، واقل منهم الدين تصدوا للمشروع من الاساس لانهم ادركوا حقيقة اللعبة وراحو يبدون النصح من أجل تدارك الكارثة ، لقد عجزت الاكثرية التي صوتت للمشروع عن اكتشاف اصعب مواضع الخلل لانها في حقيقة الامر خلطت بين ( سموم المشروع و عسل الوعود الرنانة التي اخفقت لها القلوب الضعيفة والمتوجسة ) ولذلك نجدهم اليوم يعيشون في اوضاع مربكة ، فأما انهم يلقون اللائمة على غيرهم ويبررون لاخطائهم ، أو انهم يدرفون دموع التماسيح على تساقط سقوف المشروع التي كانت في بداية ( العرس ) بمثابة حلم الوصول الى جنة الدولة الديمقراطية الدستورية ، وبعد الكارثة التي عطلت النصوص الحيوية في ميثاق العمل الوطني وإستبدال دستور البحرين التعاقدي بدستور السلطة والحكم ، رايناهم يحملون أصحاب المشروع تبعات الازمة السياسية التي أخدت تعصف بالدولة والمجتمع .

وعلى الرغم مما قيل بأنه كان هناك جانبا مهما وصحيحا في ما قدمه ( المشروع ) للوطن والمواطنين ، إلا أن الصحيح أيضا ، أن غالبية المواطنين في البحرين ممن التقيتهم في هده الزيارة ، صرحوا لي بأنهم فقدوا معظم تسامحهم مع تصرفات السلطة والحكم الدي أسرف كل منهما في إرتكاب الاخطاء القاتلة ، على الرغم مما كانوا يواجهونه من إنتقادات وأعتراضات شديدة من قبل المواطنين وكدلك الجمعيات السياسية والحقوقية المحلية وعلى المستوى العالمي ، فالمشروع ، الدي ظل الحكم يتفاخر بأهميته السياسية والاجتماعية والاقتصادية الكبيرة ويطالب الاخرين بالسير على خطاه، والدي طبلت له أبواقه في الداخل والخارج ، لم يقدم أية حلول جدرية لمختلف القضايا الوطنية الملحة الدي ناضل واستشهد من أجلها كواكب من شعب البحرين ، ومن أهمها على الاطلاق المسألة الدستورية والصلاحيات التشريعية والتعددية الحزبية وحريات الرأي والتعبير والصحافة ، الامر الدي عزز المخاوف من عودة حقبة قانون ومحاكم أمن الدولة المخيفة

ويبقى الانقلاب على نصوص ميثاق العمل الوطني ودستور البحرين العقدي للعام 1973 ، مصدر القلق البالغ لدى أوسع الفئات والشرائح وطوائف المجتمع في البحرين ، التي أسكرتها الوعود الرنانة بقيام دولة القانون والمؤسسات البرلمانية الدستورية وواحة الديمقراطية وحقوق الانسان ، وهناك أجماع واسع النطاق على أن المسؤل الاول والاخير ، عن تراجع سقوف ( المشروع ) وعن إنكساراته المتلاحقة ، هو الحكم وجميع حراسه الاقدمون

فقد إستمر الوضع السياسي العام في البلاد منذ تحويل الدولة الى مملكه ، على حاله من دون تغييرات جوهرية ، وظل يعاني من إخفاقات واسعة وخطيرة ، تسببت بها القرارات والاجراءات والمراسيم الملكية والمكرمات والعطايا الجزيلة لشراء الذمم ، وتعطيل التشريعات وتزوير الانتخابات العامة ومحاصرة الجمعيات السياسية ونشر مختلف مظاهر الفتنة الطائفية ، وإحتكار أفراد البيت الحاكم معظم المناصب الوزارية والادارية السيادية والرمزية ، وتفشي الفساد والرشوة وفرض الضرائب المنهكة على الفقراء والمسحوقين ، وعلى رغم ذلك كله لايزال الحكم يرفض التسليم ، بأن الاوضاع في البلاد ، تعيش حالة مأساوية ، وأن ليس هناك أية حالات إستياء من غالبية الشعب ، بل إن هناك تقدم مطرد في مسارات ( المشروع ) وأن الشعب يطرح ثقته الكاملة ب ( أفكار وتوجيهات القيادة السياسية الحكيمة ) ، وهدا الامر الدي لم نجد له أية أثار إيجابية في أراء المواطنين العاديين والسياسيين المعارضين والمثقفين والطلاب والعمال الدين التقيناهم خلال هده الزيارة ، فقد أشار البعض الى أن التظاهرات التي نسمع أو نجدها اليوم في مختلف مناطق البحرين ، ولاسيما تلك المناطق المحرومة من أسباب الرقي والتطور ، لابد أن ينظر اليها على إنها رفض للسياسات القائمة حاليا على مبدأ التمايز الطبقي والجغرافي ، بين الفئات الشعبية المحرومة وتلك المتخمة بالرفاهية المبالغ فيها ، وبين المناطق السكنية الراقية والمناطق المهملة المهمشة

قوى المعارضة ... وانتخابات العام 2006

أثبتت قوى المعارضة الوطنية والاسلامية ، التي كانت قد إعترضت على التعديلات الدستورية وبعض الاجراءات الملكية بشأن السياسات الداخلية والخارجية، ولجأت الى مقاطعة الى مقاطعة الانتخابات النيابية بسبب ما إعتبرته عدم دستوريتها ومخالفاتها القانونية ، إنها لم تكن قادرة على تحقيق أهداف المقاطعة أو إستخدام أية وسيلة مجدية للضغط على السلطة أو الحكم من دون العمل بتنفيد الاجراءات والمراسيم التي إستبدت بالحريات العامة وأمعنت في قهر إرادة الشعب في إمتلاك مصادر السلطات جميعا التي أقرتها نصوص ميثاق العمل الوطني والدستور ، فلم تنجح كل دعواتها السياسية وكل تحركاتها الاحتجاجية الميدانية من تغيير هدا الواقع الخطير والمؤلم ، فقررت بعد عجزها عن ذلك ، أن تخوض معركةالانتخابات النيابية والبلدية على أمل الفوز بنصيب الاسد من المقاعد البرلمانية والبلدية، التي يمكن من خلالها تغيير البيت من الداخل ، أو على الاقل تغيير بعض المسارات الخاطئة في سياسات السلطة والحكم ، على رغم انها كانت مدركة تمام الادراك ، إنها حتى لو كتب لها النجاح في الحصول على غالبية مقاعد البرلمان ، سوف تواجه نصوصا دستورية وقانونية عنيدة وقاسية ، يصعب عليها إختراقها ، فالنصوص والقوانين الجديدة المكرسة في دستور المنحة للعام 2002 ، منع الصلاحيات الواسعة والمطلقة ، التي منحها دستور البحرين العقدي للعام 1973 ، لنواب الشعب ، بتشريع القوانين وإقرارها ومكاشفة ومحاسبة المسؤلين عن افعالهم امام المجتمع ، ولدلك فقد يعتبر هدا المجلس النيابي الحالي ، بالرغم من كونه منتخبا إنتخابا مباشرا من الشعب ، فقط مجرد مظلة سياسية يستظل بها الحكم لتجميل صورته المشوهة في مجال الديمقراطية والحكم الدستوري وحقوق الانسان محليا وعلى المستوى العالمي

ويعزو المراقبون ، أسباب عجز المعارضة عن تحقيق تلك الاهداف والاستحقاقات الوطنية الكبيرة ، والوعود التي أطلقتها لجماهيرها بشأن قدرتها على إستعادة كل ما سلب من نصوص حيوية من ميثاق العمل الوطني ومن دستور البحرين العقدي ، إلا أنها لم تكن تمتلك مشروعا وطنيا متكاملآ يؤهلها لاحداث خطوات التغيير الحقيقية المطلوبة ، ولدلك كانت مشاركة الجمعيات السياسية التي قاطعت الانتخابات الاولى إحتجاجا على التعديلات الدستورية الجديدة المجحفة بحقوق المشاركة الشعبية الحقيقيةفي ممارسة صنع القرار السياسي ، الخطوة الاولئ بأتجاه إستراتيجية تغيير المطالب الشعبية الملحة ، وقبولها بفرض ظرورات الامر الواقع ، كما جاء اعتراف نواب المعارضة والحلف بالقسم على دستور المنحة غير المتعاقد عليه مع الشعب، بمثابة الضربة القاضية للثقة التي منحها الشعب لتلك المعارضة المتهالكة والعاجزة عن إنجاز المهمات الوطنية والشعبية المستقلة عن ضغوط وأوامر السلطة والحكم ، فقد وجدنا في الانتخابات الاولى للعام 2002 ، والانتخابات الاخيرة للعا م 2006 ، كيف اوصلت كل هده الانتخابات المشوهة اشخاصا كانوا مغمورين ومرتجفين في زمن القمع والاستبداد التي حفلت به حقبة قانون ومحكمة أمن الدولة السيئة الصيت ، قبل أن تصنع منهم الدعاية البرلمانية والاعلامية نجوما لامعة في عالم السياسة ، وكيف شاهدنا هؤلاء النواب يتزاحمون على تاييد مشاريع السلطة وتمجيدها ، ويدافعون ببسالة مفرطة عن مصالحهم وامتيازاتهم ورواتب تقاعدهم المستقبلي ، ويقفون مكتوفي الايدي حيال تصاعد الازمة الدستورية بعد الانقلاب على الدستور العقدي واستمرار مخطط التجنيس الرهيب الدي كاد أن يمزق وحدة المجتمع وأمن البلاد ، وقانون 56 الدي غض الطرف عن محاسبة ومحاكمة مرتكبي الجرائم ضد الانسانية خلال سنوات القمع المعتمة في البحرين ، وكل الاجراءات اللاحقة التي تسببت بمقتل واعتقال المئات من المواطنين البحرينيين في التظاهرات المطلبية السلمية ، وقد فات على هؤلاء النواب ، انهم انتخبوا من أجل تمثيل الشعب والنيابة عنه لحل مشاكل الدولة والمجتمع ، وليس لتمثيل أنفسهم وملء جيوبهم بالاموال المسلوبة من قوت الفقراء والمحرومين في هدا البلد .

ولدلك ، فأنه عندما جلس هؤلاء النواب على مقاعد البرلمان حتى كانت أفكار المطالبة بأستعادة دستور البلاد الشرعي غائبة فعليا عن ادهانهم ، فكل مايهمهم بعد دلك سوى الثرثرة والدفاع عن مصالحهم الداتية وليس مصالح الناس والمصلحة الوطنية العليا ، والحق ان الحياة البرلمانية العامة هي في مسيس الحاجة الى نواب اقوياء ومخلصين وقادرين على العطاء المثمر للدولة والمجتمع ، لا الى نواب يتصارعون من اجل المظاهر الرنانة والامتيازات وموائد السلطان .

التجنيس السياسي

في غضون ست سنوات فقط من عمر ( المشروع ) أستطاع الحكم أن يمنح الجنسية البحرينية لاكثر من 90 الف من مواطني الدول العربية والاجنبية ، غالبيتهم الساحقة من الطوائف السنية والمسيحية ، ودلك من أجل إيجاد توازن طائفي بين الطائفتين الرئيسيتين في البلاد ( الشيعية والسنية ) وجعل المستوطنين الجدد ، بمثابة ( الطابور الخامس ) الدي يستطيع التصدي لاية مواجهات محتملة بين السلطة والمعارضة وخاصة الاسلامية ، وبالفعل فقد إستفادت السلطة من هؤلاء في معاركها الشاملة مع المعارضة خلال الانتخابات البرلمانية الاولى في العام 2002 والثانية في العام 2006 ، حيث دفعتهم دفعا للتصويت لصالح مرشحي المولاة التابعين اليها ، في عضوية المجلس النيابي ، ضاربة بدلك عرض الحائط ، كافة القيم القانونية والدستورية والمبادئ الاخلاقية

وفي سرعة فائقة بعد دلك تحول المواطنون الجدد المجنسون ، الى قنابل اجتماعية موقوتة في خاصرة المجتمع البحريني برمته ،والى ادوات فاعلة لخدمة اهداف وطموحات السلطة والحكم ، في مواجهة المطالب الشعبية الاصيلة من خلال مشاركة الكثيرين منهم كموظفين وجنود في أجهزة الدولة القمعية ، هدا بالاضافة لكونهم منافسين للمواطن الاصلي في الحصول على إمتيازات العمل والسكن والتعليم والصحة العامة والانخراط في الجيش ، والتي كانت الى حد قريب جدا موصدة بوجة أبناء وبنات الطائفة الشيعية في البحرين ، وبفضل كل هده التسهيلات التي يحصل عليها المجنسون في البلاد ، انفتحت لهم الابواب على مصراعيها لكي يعبثوا بأمن واستقرار البحرين ، بل واصبح من حقهم التمتع ب ( نعمة ) اقتصاد البلاد ، الدي لم يشاركوا برفده بأي شيئ ، لان مدخراتهم المالية تدهب جميعها الى بلدانهم الاصلية ، ولدلك فقد باتت الاغلبية الساحقة من المواطنين يعارضون مشروع التجنيس السياسي في البحرين ولاسيما المتضررين منه من أبناء الطائفة الشيعية ، وهي نسبة كبيرة من شانها ان تسقط هكذا مشروع في معايير التصويت الشعبي في الدول الديمقراطية المتقدمة

تقرير ... البندر

تحدث التقرير الصادر في شهر ايلول / سبتمبر 2006 ، الدي كشف عنه المستشار السابق في وزارة الخارجية البحرينية صلاح البندر ، وهو بريطاني من اصول سودانية وحاصل على الجنسية البحرينية ، وتضمن مزاعم عن تنظيم سري داخل الحكومة البحرينية يعمل على إقصاء الطائفة الشيعية سياسيا والتلاعب بنتائج الانتخابات البرلمانية الاخيرة في البحرين ، و عن الاخطاء الفاضحة ، التي تدل على المنهجية التي استخدمها الحكم في المؤامرة ضد شيعة البحرين، وقد جمع التقرير أكبر قدر ممكن من التفاصيل عن الخطط والمناهج المعدة لتحقيق هدا الهدف ، وعن جميع المشاركين في هده المؤامرة ، من المسؤلين الكبار في الدولة الى رؤساء الجمعيات السياسي والجمعيات الحقوقية وحتى بعض الموظفين العاديين ، الدي كان يقودهم جميعا وزير شؤون مجلس الوزراء ورئيس الجهاز المركزي أحمد بن عطية الله ال خليفة ، وكان واضحا من كل هده الازمة ، إن معظم الجمعيات السياسية المعارضة لم تظهر اهتماما جادا بخطورة هده المؤامرة ، سوى إصدار بيانات الاستياء والتنذيد ، ولم يشاهد هناك اية أعمال مثمرة لمواجهة دلك التحدي

القلاع الاخيرة

أن عجز المعارضة البحرينية بفصائلها المختلفة الوطنية والاسلامية ، قد فتح المجال امام تيارات ووجوه سياسية جديدة ومستقلة تبرز في الساحة للعب الدور الجديد في مواجهة كل مشاريع السلطة الخاطئة والعقيمة ، بحيث اكتسبت هده التيارات وهده الوجوه ، زخما جماهيريا مؤيدا وداعما لها في مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والحقوقية التي طرحتها كبديل عن طروحات المعارضة التقليدية ، والتي كانت دائما تشدد على تفعيل حركة الشارع البحريني ، من أجل طرح مطالبه العادلة باستخدام كافة الوسائل السلمية المشروعة، وأول هده التيارات هي ( حركة الحقوق والديمقراطية – حق - ) الدي يتزعمها الناشط السياسي حسن مشيمع ، وهو أحد الوجوه القيادية البارزة في الحركة الدستورية التي قادت النضال الوطني في تسعينيات القرن الماضي ، والنائب السابق لرئيس جمعية الوفاق الوطني الاسلامية ، الدي إنشق عنها مؤخرا في أعقاب قبولها خوض انتخابات المجلس النيابي للعام 2006 ، ويشاركه في مجلس قيادة هده الحركة وجوه قيادية وطنية واسلامية معروفة من أمثال البرلماني السابق والناشط السياسي الحالي علي قاسم ربيعة ، والمهندس سعيد العسبول والمهندس المرحوم هشام الشهابي والشيخ عيسى الجودر ( وجميعهم كانوا اعضاء فاعلين في لجنة العريضة الشعبية ) التي تصدرت نضالات الانتفاضة الدستورية ، ومدير مركز البحرين لحقوق الانسان ( المنحل ) عبدالهادي الخواجه ، والدكتور عبد الجليل السنكيس ، العضو القيادي السابق في جمعية الوفاق الوطني الاسلامية ، وبالاضافة الى وجود هدا التيار المتحرك الميداني في الساحة ، هناك حركة أحرار البحرين الاسلامية ، التي لاتزال تتخد من لندن مقرا لها ، وتعمل من أجل تغيير الاوضاع السياسية في البحرين من خلال النضال في الخارج، وقد وصف بعض المراقبون ، هدين التيارين ، بأنهما يمثلان القلعة الاخيرة للمعارضة الثورية ، حيث أخدت تسعى هده القوى الى إثبات وجودها في الساحة وتبديد الاوهام حول استحالة قيام حركات سياسية واجتماعية جديدة قادرة على شق طريق النضال من اجل تحقيق المطالب الشعبية المشروعة من دون اللجوء الى استخدام وسائل القوة والعنف ومن خلال نضالاتها المستقلة عن مظلة الجمعيات السياسية الخاضعة لقوانين الدولة الرسمية .

تدابير حريات الرأي والصحافة

رغم التكرار المفرط لتصريحات كبار المسؤلين البحرينيين ، حول توسيع تدابير الحريات في البلاد ، فأن السلطات العامة ، لازالت تنتهك حريات الرأي والتعبير والصحافة بشكل يثير القلق والمخاوف من عودة الماضي القمعي الدي ظل جاثما على رقاب الناس في البحرين على مدى أكثر من ربع قرن من الزمان ، وقد يلاحظ من خلال دلك أنتشار أفراد الامن المكلفة بمراقبة تحركات الناس وسكناتهم خصوصا عندما تكون هناك بعض التظاهرات المطلبية ، والسعي الى اعتقال المواطنين الدين يشتبه بأنهم من ( المخربين أو المحرضين ) على مواجهات السياسات القائمة في البلاد ، وإغلاق بعض المواقع الالكترونية المعبرة عن أفكار وتوجهات المعارصة ، وتمارس نفودا مباشرا على مختلف وسائل الاعلام المكتوبة والمقروئة والمرئية

وضع القيادة السياسية

لازالت الاسرة المالكة في البحرين ، تهيمن على عمليات صنع قرارات الدولة والمجتمع ، وعلى الرغم من كل محاولاتها لتوزير بعض الافراد من خارج محيطها العائلي ، فأن غالبية أفرادها يحتلون اليوم أهم المناصب الوزارية والادارية السيادية والحساسة ، إضافة الى المواقع العليا في مختلف مؤسسات النفع العام في البلاد

وقد حدثت بعض التغييرات الطفيفة الشكلية داخل الجهاز الحكومي الرسمي بعد الانتخابات النيابية الاخيرة ، لم تشمل منصب رئيس مجلس الوزراء خليفه بن سلمان ال خليفه ، الدي ظل يحتفظ بهدا اللقب منذ أكثر من 37 سنة ، و تضاعف عدد أفراد الاسرة المالكة في الحكومة الجديدة ، كما صدرت في الفترة الاخيرة قرارات ومراسيم ملكية تخول أفراد اخرين من داخل الاسرة المالكة القيام بمهام ادارية عليا في أجهزة الدولة الرسمية ، ويظهر من خلال هدا المشهد الراسخ في عقلية الاسرة المالكة نحو حب السيطرة والهيمنة على السلطة والجاه والمال ، انها لن تستطيع التخلي بأي حال عن ممارسة نهج الماضي القمعي الدي ساد البلاد في زهاء 230 سنة من الحكم الاستبدادي التعسفي ، حتى لو حاولت أن توهم الناس والمؤسسات الديمقراطية والحقوقية الدولية بالكلام المعسول حول إتخادها بعض الخطوات الايجابية في مجال القضايا الامنية والحريات .

ندوة شبابية في جمعية العمل الوطني الديمقراطي ( وعد )

عندما قمت بزيارة مقر جمعية العمل الوطني الديمقراطي ( وعد ) في منطقة أم الحصم ، وهي احدى أكبر الجمعيات السياسية المعارضة في البحرين ، لحضور فعالية شبابية ، أقامتها شبيبة الجمعية لتكريم أعضاء ( القائمة الوطنية للتغيير) التابعة للجمعية، التي شاركت في انتخابات المجلس النيابي للعام 2006 ، وقدتخللت تلك الفعالية ندوة سياسية حول الانتخابات التشريعية وأفاق المستقبل السياسي ، تحدث فيها المهندس عبد الرحمن محمد النعيمي رئيس اللجنة المركزية ل ( وعد ) ، والدكتورة منيرة فخرو ، عضو الجمعية وكان الحديث يدور بشكل موسع حول مواقف السلطة الخاطئة في الانتخابات ودعمها الواضح والمباشر للقوى الاصولية المحسوبة عليها، ولكن لم اسمع في حديث النعيمي أو فخرو شرح الاسباب الحقيقية التي دفعتهم للمشاركة في انتخابات مشوهة ومعروفه نتائجها مسبقا ، أو كيف تفسخت التحالفات بين قوي المعارضة التي رصت صفوفها قبل الانتخابات للمطالبة بحدوث تغييرات حقيقية في الدوائر الانتخابية ووقف مهزلة المراكز العامة وغيرها من الامور السياسية والدستورية الشادة ، ثم تسابقت مهرولة للحصول على اكبر عدد من المقاعد البرلمانية ضاربة بعرض الحائط المصالح المشتركة والتحالفات والوعود الكثيرة التي وعدت بها قواعدها والجماهير، وفي هده المناسبة أصر النعيمي ، أن يشركني في الحديث لشباب الجمعية ، عن التجارب النضالية التي اكتسبتها مع المعارضة في المنافي القسرية ، ورؤيتي حول ما كان يحدث في البحرين خلال سنوات القمع المعتمة ، ولاحقا التطورات الجديدة ( في المملكة )، فترددت في بادئ الامر لشعوري بعدم الاستعداد لقول أي شيئ حول تطورات الاوضاع في البحرين بعد ( التغيير الدي اطلق عليه اسم مشروع الاصلاح الديمقراطي ) والدي كنت أنا شخصيا من بين جماهير المعارضين لخطواته المتسرعة والخاطئة ، مفضلا الاستماع حول مايدور في الندوة ولكن اصرار الزميل أبو أمل ، دفعني للمشاركة والحديث في موضوع فضلت أن يكون مقتصرا فقط على أهم التجارب التي كانت تهتم في الاساس بقضايا شعب البحرين السياسية والحقوقية الدي كان للجبهة الشعبية ولجنة التنسيق بين ( الجبهة الشعبية وجبهة التحرير الوطني البحرينية ) ولجنة الدفاع عن حقوق الانسان في البحرين ، الدور الفاعل لتوصيل صوت شعب البحرين في المحافل العربية والدولية ، وتجنبت الحديث عن الوضع الداخلي لقناعتي بأنني لم أستطيع على الاطلاق أن أضيف أي جديد على الواقع المر الدي تعيشه البلاد في ظل الانقلاب على نصوص ميثاق العمل الوطني ودستور البحرين العقدي للعام 1973 ،وبالمناسبة فانه في بداية الحملة الانتخابية للبرلمان هاتفني النعيمي مستوضحا موقفي من مشاركته في هده الانتخابات ، قائلآ انه لاينسى استشارة رفاقه وسماع رأيهم في الامور الصعبة الدي ينوي إتخادها على المستوى السياسي ، فأجبته بصريح العبارة ( انت تعرف موقفي يا أبو أمل ليس فقط من موضوعة الانتخابات التي لاأرى جدوي من قيامها سوى إعلان الدعاية للسلطة والحكم بنجاح مشروعهما ( الديمقراطي ) بل ما أطلق عليه مشروع الاصلاح برمته، ومادمت قد إخترت هده المشاركة فعسى الله يوفقك ويكون في عونك ) وبالفعل شارك النعيمي في هده الانتخابات المشوهة والتي لم تحظى باجماع وطني ، وتصدى لحرب ضروس مزدوجة قوامها السلطة والحكم وحلافائهم الاقوياء من الاصوليين المسلمين وبقايا من كانوا يطلقون على أنفسهم بالوطنيين القوميين واليساريين ، الدين تأمرو عليه واسقطوه بالضربة القاضية في الجولة الثانية من الانتخابات ، وبذلك خسرت البحرين وشعبها في المجلس النيابي رمز من رموزها التاريخية المدافعة بحق وحقيقة عن الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان في البلاد ، فالنعيمي لم يظلم أحدا أو يتأمر على أحد ولم يخرب ولم يفجر ولم يطمع في المناصب ولا في جمع المال ولم ينتهز الفرص ولم يخون القضية ، ولكنه استطاع أن يقول وبكل شجاعة كلمة حق امام سلطان جائر ، فبدلآ من مكافاته وتقديم وسام الشرف الوطني اليه تم التأمر عليه، وفي مختصر مفيد تحدثت عن بعض الاخطاء القاتلة في ماسمي بمشروع الاصلاح ، وكنت مقتنعا بأن هدا المشروع الدي جاء فقط ليستر عورات الحكم وليعطيه الشرعية التي كان يفتقدها منذ السنوات الاولى للغزو ، والتي ارتكبت فيه أخطاء فادحة في حق الشعب ليس مؤهلآ للعطاء والازدهار والتقدم ، واما الجمعيات السياسية والقوى الاخرى التي باركت وهللت لهدا المشروع ، فأنها أعجز من أن تحقق أهداف التغيير الحقيقي والجوهري الدي ناضلت واستشهدت من أجله اجيال من شعب البحرين ، ولاكن لم يسعني في هدا المجال سوى توجيه النصح وبعض الارشادات المفيدة لشباب المستقبل، وحثهم على العمل والعطاء المثمر والاستمرا في النضال الحقيقي ، وقبيل إنصرافي من القاعة بعد انتهاء الندوة ، تفاجئت بأحد الاشخاص يهمس في إدني ليقول لي ( كل ماكنت تقوله حول فشل مشروع الاصلاح والمواقف السلبية للجمعيات السياسية هو حقيقة قائمة في البلاد ويجري التستر عليها من اصحاب المشروع والمناصرين له ، وان البلاد تحتاج الى قيادات فاعلة وقوية ومقاتلة من أجل الحق وشدد على القول زاعما بان البحرين تحتاج بعد هده الاسقاطات كلها الى ( استخدام اساليب القوة والكفاح الثوري ) والتفت اليه وشددت على يديه وقلت له أن تحقيق المطالب الشعبية من دون وجود جبهة وطنية عريضة ومتماسكة وقادرة على احداث التغيير المطلوب فان الطريق الى قيام دولة المؤسسات والقانون سيكون شاقا وعسيرا جدا .

مأدبة غداء مع أبناء الدراز الاعزاء

كانت الدعوة الكريمة الدي قدمها لي صديق الطفولة ، وهو أحد المناضلين القدماء في صفوف جبهة تحرير شرق الجزيرة العربية ، الدي تعرض للسجن سنة كاملة، بعد المحاكمات السياسية التي إجريت لقيادات الجبهة في العام 1971 ، سيد مصطفى حسين علوي، لتناول طعام الغداء في ضيافته ، مناسبة جيدة لارتفاع وتيرة العلاقة التي إنفصمت بيني وبين أبناء قريتي ، على مدى أكثر من 25 سنة ، بسبب النفي القسري المفروض فرضا من قبل النظام في البحرين ، حيث ساهمت جهود الصديق العزيز ( أبو علوي ) في دعوة أكثر من عشرين شخص من أبناء القرية لحضور هده المأدبة ، حيث تبادل الجميع أطراف الحديث عن هموم القرية التي هجرتها منذ ريعان الشباب ، وظلت حتى بعد عودتي من المنفى ، قرية مهملة بائسه ، شأنها شأن قرى البحرين الموحشة والمنسية ( من أنعام السلطة الحاكمة وترفها ) ، فحدثتهم كثيرا عن معاناة المنافي القسرية وعن نضالات المواطنين البحرينيين ، المبعدين والمنفيين في مختلف العواصم العربية والعالمية وتجرعهم مرارة العداب والبعد عن الديار والاهل والاصدقاء والاحبة ، وتضحياتهم في سبيل الشعب والوطن حيث تشعبت الاسئلة والاجوبة حول هده القضية ، في ماهم تحدثوا لي عن الهموم المتزايدة في القرية ، وإشتداد وطأة الفقر المدقع لدى عوائل كثيرة بسبب عطالة أبنائها عن العمل وعدم حصولها على أية مصادر للعيش اليومي ، فقال بعضهم ، أن القرية لم يمسها التحديث والتطوير منذ أكثر من 25 سنة كاملة ، وهي لاتزال تعاني من تدني مستوى الخدمات الصحية ومياه الشرب الجيدة والصرف الصحي والشوارع المزفلته والاضائة وغيرها من المستلزمات الضرورية الاساسية للحياة العادية ، وقد تعرضت القرية الى حصار شديد وظالم على أيدي قوات الامن والمخابرات طوال سنوات الانتفاضة الدستورية المباركة في تسعينيات القرن الماضي ، التي عبثت بأستقرار وامن الناس في هده القرية المسالمة وقصفتهم بالطائرات المروحية والغازات المسيلة للدموع ، حتى استشهد برصاص جنودها ثلاثة شهداء أبرار من أبناء القرية، واعداد كبيرة من المعتقلين والمسجونين والموقوفين على ذمة التحقيق، الدين إخدوا عنوة الى مراكز الامن ، حيث مورست ضدهم هناك أبشع أنواع التعديب الجسدي والنفسي

يوم رحيل الشهيد المجاهد الشيخ الجمري

اتصل بي في ساعة مبكرة عشية رحيل الشهيد المجاهد الشيخ عبدالامير الجمري ، الزميل الناشط السياسي سعيد العسبول ، يخبرني بوفاة الشيخ الجمري ، دلك الرجل الرمز الدي ضحئ بكل غال ونفيس من أجل الحرية والديمقراطية ونصرة الفقراء في البحرين ، والدي داق مرارة السجون والتعديب النفسي والتنكيل بجميع أفراد عائلته من دون وجه حق ، واستشهد بعد معاناة شديدة مع الامراض التي تعرض لها في غياهب السجن ، بعد أن ملاء الدنيا وشغل الناس في البحرين بنضالاته المعروفة، ثم حدد معي موعدا للدهاب معه في المساء لتقديم واجب العزاء لعائلة الشهيد الشيخ الجمري ، وقال انه كان متفقا في الاساس مع الزملاء الاستاذ علي قاسم ربيعة والمهندس هشام عبد الملك الشهابي والمحامي أحمد الشملان والشيخ عيسى الجودر ( وجميعهم كانوا رفاق الشيخ الجمري في لجنة العريضة الشعبية التي قادت نضال الحركة الدستورية في سنوات التسعينات من أجل عودة البرلمان والمواد الحيوية المعطلة من دستور البحرين العقدي للعام 1973 ، لكي ندهب جميعا الى قرية بني جمرة لتقديم التعزية لزوجة الشيخ الجمري السيدة الفاضلة ( أم جميل ) وبالفعل دهبنا جميعا في سيارة هشام الشهابي ( أبو عمر ) فشاهدت في تلك الليلة القارسة البرودة قوافل بشرية جرارة وسلسلة على مد العين والبصر من السيارات متجهة الى تلك القرية الصغيرة والتي إمتلاءت عن بكرة أبيها بالرجال والنساء والشباب والاطفال ، يرفعون الرايات السوداء ، وتنطلق من حناجرهم زغاريد الحزن والبكاء على رحيل الشهيد الجمري ، أبو الفقراء والمسحوقين في البحرين والدي قدم روحه فداء للوطن والشعب برمته ، وقد استمرت قوافل الناس المعزين بهدا الراحل الكبير، طوال ثلاثة أيام بلياليها تتدفق على جامع سار لقراءة الفاتحة، بعد أن ووري جثمانه الثرى في مثواه الاخير بمسقط رأسه في قرية بني جمرة شمال البحرين ، من خلال موكب جنائزي مهيب شارك فيه عشرات الالآف من المواطنين يتقدمهم أفراد عائلته وعلماء الدين الافاضل والرموز والقيادات الوطنية والاسلامية وبعض المسؤلين الرسميين في البلاد

النعيمي ... شامخا في مجلس بدريه علي

وصورته تعانق جدار صالة الجلوس .

قبل أيام قليلة من مغادرتي البحرين متوجها الى مقر إقامتي في الدنمارك ، تلقيت دعوة كريمة من الزميلة المناضلة بدريه علي ، وهي واحدة من الوجوه النسائية المعروفة في ميدان العمل الاجتماعي النسائي في البحرين ، وعضو في جمعية العمل الوطني الديمقراطي ( وعد ) وحاليا رئيسة الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع ، لحضور مأدبة عشاء في منزلها في المحرق بالقرب من الحوض الجاف ، خصصت لاستضافة بعض أصدقائي المناضلين القدامى ، وتركت لي الخيار لدعوة ما شئت من الاصدقاء لحضور هده المأذبة، لتكون المناسبة أشبه بأحتفالية تكريمية بسيطة لمناسبة وجودي في البحرين ، ومن أجل أن يستعيد الجميع من خلالها ماتبقى من ذكريات سنوات النضال البعيدة في المنافي القسرية ، وكدلك الاوضاع الجديدة القائمة في البلاد بعد الانتخابات البرلمانية الاخيرة، وبعد جولة سريعة في رحاب البيت المكونة على شكل تحفة معمارية بسيطة ، لفتت نظري في صالة الجلوس صورة عملاقة للمناضل الرمز عبد الرحمن محمد النعيمي ، كانت تغطي المساحة الاوسع لوجه الصالة ، فسألت صاحبة الدعوة السيد بدرية علي ، لماذا الصورة كبيرة الى هدا الحد ، وما معنى عرضها في مكان بارز يكاد أن يشغل ربع جدار الصالة الكبيرة ؟ فأجابت قائلة ، ان تراثه النضالي الاصيل يبقى شامخا في هده الصورة امامنا ( كل هدا ونحن مقصرين في حق ( أبو أمل ) عبد الرحمن النعيمي ، المناضل الرمز و ( الاب الروحي ) الذي عودنا على خوض معارك النضال من أجل خدمة هدا الوطن وفقراء هدا الوطن ، من دون أن يكل ويتعب ، وهو بذلك يستحق منا نحن تلامذته وأبنائه ، ليس فقط عرض صورته في بيوتنا ، إنما يستحق منا غرسها في صدورنا وقلوبنا ، وفي المناسبة كان النعيمي ، الدي اصطحبني معه في سيارته لحضور العوة حاضرا معنا في هده المأدبة ، وأظنه كان لم يستمع لهدا الحديث ، بسبب إنشغاله بالرد على بعض الاسئلة التي كانت تنهال عليه من الزملاء الحاضرين ، حول تطورات الاوضاع في البحرين بعد الانتخابات البرلمانية الاخيرة التي زورت نتائجها السلطة الحاكمة وزجت بالمقربين منها الى معترك السياسة ودخول البرلمان من دون وجه حق ، والذي كان النعيمي أحد ضحايا هده الانتخابات ، حيث تأمرت عليه السلطة ، وحولت فوزه في دائرته الانتخابية في قلالي إلى خسارة ، بسبب دفعها بجحافل الناخبين والاصوات المرتزقة في المراكز العامة للانتخابات ، لتصب جميعها لصالح منافسه ( الاصولي والموالي للسلطة ) النائب الحالي في البرلمان عيسى أبو الفتح ، ولعل النعيمي قد شعر ببعض أطراف الحيث الدي دار بيني وبين السيدة بدريه علي ، عندما أشار في جزء من أحاديثه في المجلس والتي إستقطبت اهتمام الجميع نظرا للتحليل السياسي العميق الدي ادلى به النعيمي حول خطورة الاوضاع في البحرين على المديين الراهن والمستقبلي ، بعد الانقلاب على نصوص ميثاق العمل الوطني وتزوير الانتخابات وحصار المشاركة الشعبية في صنع قرارات المجتمع، بأن ( الشهداء وضحايا التعذيب والنفي القسري والفقراء والمسحوقين ) في هدا الوطن ، هم فقط من يستحق التكريم وهم من يجب أن تنشر صورهم في البيوت وتحفر أسمائهم بحروف من ذهب في ساحات وشوارع البحرين .

وبالفعل كانت المناسبة جيدة وممتعة ، حيث شارك الجميع في مختلف محاور النقاش ، والتي تركزت بشكل خاص على السياسات الخاطئة والعقيمة للسلطة الحاكمة في البلاد ، وكيفية السبل الكفيلة بمواجهتها عبر استخدام الوسائل الحضارية السلمية الجديدة والمشروعة لنضالات الشعوب من اجل الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان ، المنصوص عليها في الدساتير والمعاهدات والشرائع الدولية، نأمل أن تتكرر مثل هده المناسبات بين الزملاء المناضلين في البحرين ، من أجل التواصل و إثراء مستوى النقاش و الحوار الجاد بينهم

الأحد، 7 ديسمبر 2008

عبد الوهاب حسين ... فرصة الحوار الأخيرة

بعد مضي أكثر من عشرة شهور ، على مبادرة الحوار والمصالحة الوطنية ، الذي أطلق عنانها ، الناشط السياسي ، عبد الوهاب حسين ، من أجل قيام مشروع وحدة المعارضة، وبرنامج عمل وطني ، وقيادة مسوؤلة تلتزم بقضايا الناس والوطن ، يتساءل الكثيرون – ونحن منهم – عن المصير الذي آلت اليه هذه المبادرة،بعد أن تعذر على جميع القوى الراعية فيها ، المضي قدما نحو تحقيق أهدافها المنشودة ،ومن أبرزها قضايا الاصلاح الديمقراطي و تعزيز مسألة الحوار والمصالحة الوطنية ،هل أضاع المشاركون في المبادرة ،من جمعيات سياسية ونشطاء سياسيين وحقوقيين وشخصيات مستقلة، الفرصةالأخيرة لإنجاح المبادرة بعد فترة طويلة جدا من التباعد وتعليق الحوار بينهم ؟ أم انه لاتزال امامهم فرصة واحدة وأخيرة ، يمكن من خلالها العودة إلى النقطة التي إنتهى عندها الحوار ، وبالتالي تضميد الجراحات التي مزقت شمل هدا التحالف ؟

المعلومات الواردة مؤخرا ، من أكثر من مصدر ،تثير المخاوف ، وتفيد بأن صاحب فكرة المبادرة ومنسق اعمالها الناشط عبدالوهاب حسين ، يتأهب للاعلان قريبا ،عن تعذر المضي في متابعة أعمال المبادرة ، بسبب وجود عقبات وعوائق كثيرة تعترض طريق الحوار والمصالحة ،بعد انفراط عقد التفاهمات الايجابية ، والتأجيل المستمر لجلسات الحوار والتفاهم ،وانسحاب بعض المشاركين من الشخصيات الوطنية والاسلامية ، احتجاجا على ضعف مستوى العمل وقصور المشروع الوطني ، ورغبة بعض الجمعيات السياسية المؤثرة في الساحة ،في الاستحواذ على القرار ، وعلى تأكيد وتكريس ضبغة عقائدية معينة في صلب برنامج العمل الوطني ، الذي يجب أن يتحرر من أية قيود مذهبية وعقائدية وحزبية وطائفية ،و تعثر السبل الكفيلة بدعم فرص الاستمرار في النجاح. إذ يذهب عديدون ممن لايشك بتعاطفهم مع مسارات المبادرة ، الى أن عبدالوهاب حسين ، كان منذ اللحضة الاولى لولادة مبادرته ،يبذل أقصى مالديه من جهد ،في سبيل إيجاد صيغة توافقية للحوار تكون مقبولة للجميع ،حتى يتمكن من شق طريق المتابعة بتجاوز المعضلات والمشاكل المعقدة ،ولكنة مع بالغ الاسف ، تعسر عليه التفاهم مع جماعات متنافرة ومتخاصمة بسبب توجهاتها السياسية والعقائدية والطائفية التي كانت سائدة منذ عقود بعيدة مضت. وهو لايزال حتى الآن يعاني من عدم القدرة على تجميع الصف الوطني ،واقناع الجمعيات السياسية وشخصيات المعارضة ، من العودة الى طاولة الحوار وإحياء المبادرة من جديد ، نتيجة لتعمق الشرخ بينهم ،حتى حيال من هم مازالوا يشدون إزره ، ويناضلون من أجل إنجاح المبادرة وتعزيز دورها في قيادة الساحة الوطنية.

والحقيقة ، أن هذه المبادرة التي أراد لها عبد الوهاب حسين أن تخرج بمشروع وطني موحد لحماية مصالح الناس والتأكيد على حقوقهم ،ونبذ الفتنة الطائفية المستعرة منذ فترة طويلة ،لم تكن لتتوقف وخاصة في هذا الظرف الصعب ،لو لم تكن هناك حساسيات مفرطة بين جمعيات سياسية وفئات وشرائح اجتماعية وعقائدية وطوائف في المجتمع ، وثقافات أمتيازات ومصالح واقصاء وتهميش ، من مختلف قوى المعارضة ، لاثقافات تفاعل وتلاحم وحوار ومصالحة. لو لم تكن هناك ثقافات تشذد وانغلاق على الذات ، وعدم الاعتراف بالآخر كشريك فعلي في قيادة المشروع الوطني وتحمل المسؤولية ،أي أن الاعتراف بالآخر طريق لتحقيق الأهداف الوطنية المنشودة.

الانقسام والتباعد والتنافر الحاصل اليوم ، بين الاطراف المشاركة في المبادرة ،يؤكد بصورة قاطعة هشاشة دور المعارضة وتحالفاتها ،وتبين أنها معارضة يائسة ومشرذمة ومدجنة، ولم تستوعب بعد مسائل الحوار الديمقراطي والتعايش السلمي والتغيير الحقيقي والجوهري ، على رغم مايقال من أن بعضها كان يتمتع بخواص وتجارب نضالية عريقة. وماهو واضح اليوم، أن فريقا منها يريد الاستحواذ على مفاصل القرار والتمسك بنهجه السياسي والعقائدي ، بينما فريق آخر يحاول بشتى الوسائل أن يصفي حساباته مع الآخر ، ويسعى للاخلال بموازين الحصص والتفاهمات لمصلحته من دون محاولات التصدي لسياسات الظلم وإنعدام المساواة والتشهير والتكفير والتناحر الطائفي.

وفريق ثالث إستسلم في قرارة نفسه أمام التطورات والتغيرات الجديدة الطارئة على الدولة والمجتمع ،وسلم بالتالي انه لاتوجد هناك أية حلول للمعضلات والمشاكل القائمة في البلاد ، سوى الخضوع لضرورات الأمر الواقع ، وإنتظار ما ستسفر عنه الاأام القادمة من مشاريع أو مكرمات من اصحاب النفوذ في السلطة والحكم. ولكن هناك من هم من لايزال ،يؤمن -وهم قلة قليلة – بأن بعض الاوراق السياسية مازالت باقية ولم تحترق بعدبشأن المطلب الديمقراطي وحقوق الانسان ، وبأستطاعتهم لعبها بتحريك الشارع بالوسائل السلمية،ولتحقيق حلم غالبية الناس بالعيش في مجتمع العدل والمساواة والتكافؤ الاجتماعي.

وماهو واضح أيضا ، أن قوى المعارضة والتغيير في البلاد ،تعيش هذه المرحلة في أزمه خانقة تسببت بها لنفسها ،من اهمها على الاطلاق ، إفتقادها لمشروع سياسي جوهري وحقيقي ، وقيادة جماعية أو إحادية قادرة على استيعاب التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها البلاد حاضرا وفي المستقبل ، وقادرة على إقناع الناس بمشروعاتها وتحركاتها الوطنية ،لضمانات التفافهم حولها ودعمها في المسائل الجوهرية المطلبية. وكانت لديها الفرصة للانطلاق بمشروع قيادة وطنية مناضلة ومضحية، مدعومة بشخصيات وطنية واسلامية ملتزمة بقضايا الناس والوطن من بين المشاركين في مبادرة الحوار الوطني أو سواهم ، وفي مقدمة هؤلا الناشط السياسي عبد الوهاب حسين ، المعروف بأستقامته والمناضل الذي رافق الشهيد الشيخ عبد الامير الجمري ، ذلك الشيخ الجليل والقائد الرمزالذي ناضل من أجل كل الشعب والوحدة الوطنية في كل سنوات نضال الحركة الدستورية في تسعينيات القرن الماضي، والذي لاتنقصه شروط القيادي المعارض الصلب.

انه من المحزن حقا ، أن يتوقف العمل بهذه المبادرة بسبب بعض التجاذبات الفكرية وحفنة الامتيازات السياسية والذاتية ، وأن تتبدد أحلام كبيرة عقدت على وجود قيادة وطنية واحدة وموحدة تنتصر لقضايا الانسان والوطن. فهل يمكن أن تدرك قوى المعارضة والتغيير هذه الحقيقة ، وتبادر لالتقاط الفرصة الاخيرة التي يمكن لها إعادة الروح الى هذه المبادرة بشفافية وموضوعية؟ وتبادر أيضا الى عمل إيجابي مفيد يحقق أحلام الناس في الديمقراطية والحريات ، ويعزز من دور الوحدة الوطنية ؟



هاني الريس