الأربعاء، 27 مايو 2009

حقائق من انتفاضة التسعينات ( 5 ) السلطة البحرينية تروج الاتهامات ضد المعارضة الدستورية وتتهم ايران بالتدخل واثارة النعرة الطائفية

هاني الريس

دأبت السلطة وابواقها في البحرين خلال الانتفاضة الشعبية المباركة، على تلفيق الأتهامات والمزاعم الموهومة ضد قوى المعارضة والتغيير في البلاد، وكانت تحاول القيام بذلك كلما تناهت الى أسماعها أخبار الأنتصارات المعنوية والاعلامية التضامنية التي تحرزها قوى المعارضة وجماهير الانتفاضة الدستورية في كافة مواقع النضال الوطني في الداخل والخارج، فتارة تتحدث عن عمليات " تخريب شعبي " تمارسها المعارضة وانصارها لتهديد مصالح المجتمع وإنجازات الدولة التاريخية، وتارة أخرى تتحدث عن " معارضة شيعية" تحاول أن تجعل من ضمن اهدافها الرئيسية " تغيير النظام السياسي والاجتماعي والأقتصادي " القائم في البلاد بالقوة المسلحة، واحيانآ كثيرة تتحدث عن " تدخلات خارجية " مزعومة في الشأن البحريني، من قبل قوى أو دول اقليمية وعربية لاتريد الأمن والاستقرار في البحرين، ناهيك عن كل ماصارت تجاهر به من شائعات ومزاعم كثيرة تحمل على الشك بأهداف وطموحات وأماني شعب البحرين ووحدته الوطنية وأحلامه للمستقبل، فماهي حقيقة هذه الاتهامات والمزاعم الموهومة وماهو رد المعارضة والقوى الخارجية عليها ؟
لاداعي للقول بأن اسلوب الاتهامات الزائفة التي أصبحت ومنذ سنوات طويلة السيناريو الوحيد لدى السلطة البحرينية في زعمها عن وجود " عمليات التخريب الشعبي " وعن " المعارضة الشيعية " وعن " التدخلات الخارجية المحتملة المزعومة " في الشأن الداخلي البحريني ، هي من بين مختلف أساليب التهم والدعاية الخبيثة المغرضة التي إعتادت السلطة على استخدامها كسلاح إعلامي ودعائي براق ومؤثر في جميع مراحل الصراع الدائر بينها وبين المعارضة البحرينية، من أجل تضليل وخداع الرأي العام المحلي والدولي ، وبقاء واستمرار سياسة القمع وتكميم الافواه ضد المطالب الشعبية وبخاصة مطلب الديمقراطية والاقتصاد وحقوق الانسان، التي ظلت تحرص على استمرارها منذ الانقلاب على دستور البلاد العقدي وحل المجلس الوطني المنتخب في العام 1975 وتكريس النظام السياسي الفئوي الاستبدادي القمعي، وبالرغم من كل مساع السلطة لتلفيق الاتهامات ضد المعارضة، فانها طيلة سنوات الانتفاضة الشعبية المباركة، وجدت هذه السلطة من الصعوبة عليها أن تعثر حتى على حقيقة واحدة يصدقها الناس حول هذه الاتهامات والمزاعم، فقد كانت هناك في السابق محاولات اخرى مماثلة اثبتت الوقائع والمحاكمات السياسية التي جرت في البحرين عدم صحتها، وكانت مرفوضة لدي الجماهير والمنظمات الديمقراطية والحقوقية العالمية، باعتبارها كانت تنطوي فقط على عمليات الارهاب الفكري التي ظلت تمارسها السلطة في مواجهة الارادة الشعبية .
لقد أصبح كل مواطن بحريني ومنذ عدة عقود، معتادآ على سماع مثل هذه الاتهامات والمزاعم، خاصة عندما يتحرك الشارع لطرح المطالب الوطنية المشروعة، سواء في تصريحات كبار المسؤلين أو عبر مختلف وسائل الدعاية والاعلام أو في ماتروج له أبواق السلطة من شائعات وأكاذيب مغرضة تجاه المعارضة البحرينية، في محاولات واضحة لتشويه صورتها النضالية والاخلاقية وسحق دورها القيادي للدفاع عن الشعب والمصلحة الوطنية العليا .
لقد كانت المعارضة البحرينية بفصائلها المتعددة الديمقراطية والوطنية والاسلامية، على اختلاف مراحل النضال الوطني السابقة واللاحقة، تعمل وتناضل من أجل اهداف وطموحات وطنية وانسانية وأخلاقية سامية، من اجل المطالبة بحرية الارادة السياسية والديمقراطية والعدل والمساواة في المجتمع، وتكريس الحكم البرلماني الدستوري والتحرر من التبعية والاستغلال الاستعماري القديم والحديث، مستفيدة من كافة الدروس المستخلصة من تاريخ الشعوب التي ناضلت من اجل الاستقلال السياسي والاجتماعي والاقتصادي، واختارت بعد تحريرها من قيود التبعية والاستعمار طريق التنمية المستقلة، بحيث جعلت كل هذه المطالب الوطنية المثلى، الطريق سالكآ لكسب الغالبية الساحقة من جماهير شعب البحرين، ومن دون الحاجة الى تحريضه على ممارسة أشكال العنف وجملة أسباب القهر الأخرى كسبيل وحيد لتحقيق المطالب الوطنية المشروعة، في حين لعبت السلطة البحرينية دورآ معاكسآ لكل هذه التوجهات، واصرت على البقاء وحدها تناطح الجدار في مواجهة المد الشعبي المتنامي ضد سياساتها الاستبدادية القمعية واحتكار الحكم والسلطة وجميع وسائل القوة والحريات .
من هنا نجد محاولات السلطة لمواجة فكر وثقافة المقاومة المدنية، تستمر وتتعزز بتلفيق الاتهامات والمزاعم ضد المعارضة البحرينية، تارة بتفجير الاوضاع الآمنة والمستقرة داخل البلاد من اجل مصالح ذاتية، وتارة أخرى بالطائفية وبمراكز خارجية داعمة للقلاقل الداخلية، وفي كل الاحوال، فانه من الطبيعي،أن اية عقلية مريضة تستطيع أن تتوهم بأي شيء وأن تفعل ماتريده وتضمره، مادامت هي عاجزة عن إدراك الحقيقة والواقع، تمامآ كما يفعل العاجز الذي يرفض مواجهة الواقع بالعثور على ردود مقنعة ويلجأ إلى اسلوب الانفعال والشتم والمضايقة وأحيانآ الضرب أو القتل غير المبرر .
السلطة تتهم ايران بانها وراء الاحداث الدامية في البحرين :
ظلت الجمهوريةالاسلامية الايرانية، طوال فترة الاحداث العنيفة في البحرين، المتهم الاول في تحريض الغالبية الشيعية على إفتعال القلاقل من أجل تغيير الواقع القائم في البحرين، وعلى اثر المزاعم البحرينية بضلوع ايران في الشأن الداخلي للبحرين، أجتمع وزير الخارجية البحريني محمد بن مبارك آل خليفة في 22 يناير 1996،بسفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن المعتمدين لدى البحرين في خطوة وصفت بأنها شكوى اليهم من التدخل الايراني، حيث قالت مصادر السلطة، أن ايران متورطة بشكل أو اخر، في اثارة الفتنة الطائفية ( الشيعية ) في البحرين، وادعت بأن لديها " أدلة وبراهين قاطعة مدعومة بالوثائق " ستقدمها السلطات القضائيةالبحرينية، في المحاكمات التي ستجري للشخصيات الوطنية الاسلامية ( الثمانية في لجنة المبادرة الأمنية بزعامة الشيخ عبدالامير الجمري ) يوم 22 كانون الثاني 1996، والتي لم تعقد بسبب خوف السلطة من ردة فعل شعبية ودولية غاضبة ضدها، حيث لم تكن هناك أية أدلة أو براهين يمكن الركون اليها لتجريم هذه الشخصيات، بل أن هناك مزاعم وافتراءات كثيرة ضدهم و ضد كل مواطن بحريني يتجراء على المطالبة بأبسط حقوق المواطنة المشروعة .
واستنادآ الى ذلك كثفت السلطة البحرينية من حملات القمع المسعورة ضد المواطنين الأمنين في كافة مناطق البحرين ولاسيما ذات الكثافة الشيعية، وذلك على اثر تنامي القلق لدى جيران البحرين، من تداعيات الانتفاضة الشعبية، وفي هذا الوقت صرح ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير عبدالله بن عبد العزيز آل سعود، في أول تصريح له عن سياسة بلاده الخارجية، بأنه ( يجب التعامل مع المحرضين على الفتنة في البحرين) بوسائل القوة والردع، وهذا ماجعل حكام البحرين، يتمادون في قمع الانتفاضة الدستورية ويفرضون قبضة طاغية على المجتمع .
ومن جانبه دعا مجلس التعاون الخليجي، ايران إلى عدم التدخل في الشأن الداخلي لدولة البحرين العضو المؤسس في المجلس، واتهم كبار المسؤلين الايرانيين بتحريض الشيعة على العنف لاسقاط النظام السياسي ( الشرعي ) القائم في البحرين .
وضمن هذا السياق، اتهمت صحف بحرينية وكويتية وسعودية، ايران بالتحريض على أعمال ( الشغب ) وتحريك الشارع الشيعي للتظاهر الاحتجاجي ضد حكومة البحرين، وقالت أن تورط ايران المزعوم، قد يستثير ردآ قاسيآ من دول الخليج العربية وحلفائها الغربيين .
وفي مقابل ذلك، قادت ايران حملة مضادة على المزاعم الخليجية وبخاصة البحرينية والسعودية، التي ترى في ايران انها تمثل اخطر تهديد للاستقرار والأمن في المنطقة، حيث رفضت الصحف الايرانية الصادرة خلال شهر ديسمبر 1994، كافة الاتهامات والمزاعم البحرينية والخليجية بشكل عام، تورط طهران في الاضطرابات في البحرين، واجمعت هذه الصحف، على ادانة هذه الاتهامات التي وصفتها بأنها مجرد حيلة قديمة لالقاء اللوم في مشاكل محلية على أطراف خارجية وتبرير التواجد العسكري الاميركي في المنطقة .
وذكرت صحيفة ( ايران نيوز ) أن الأسرة الحاكمة في البحرين، حرمت شعبها حتى من ابسط أشكال الديمقراطية الا وهو البرلمان الذي يمكن من خلاله للشعب أن يكون له رأي في رسم سياساته الداخلية والخارجية ومستقبله الاجتماعي والاقتصادي .
واضافت الصحيفة " ان الاستياء الشعبي والاضطرابات المدنية في البحرين، هما الظاهرتان المصاحبتان للحرمان من ابسط حقوق الانسان "
ووصفت الصحيفة، مزاعم التورط الايراني، بأنها لااساس لها من الصحة وقالت " أن من الطبيعي في ضوء الظروف السائدة في البحرين ان تحتاج الحكومة الى كبش فداء لتحميله المسؤلية عن كل أزمات البلاد " .
وأضافت الصحيفة : ” أن التاريخ الحديث يثبت أن الدول ذات الانظمة الدكتاتورية عندما تواجه إنتفاضات شعبية داخلية، فأنها تتهم دائمآ دولآ أجنبية بأثارة الاضطرابات والقلاقل حتى يتسنى لها قمع شعوبها، ونظام كل من شاه ايران السابق واوجستو بينوشيه في تشيلي نمودج على ذلك " .
ومضت الصحيفة تقول : ” ان اتهام ايران بتذبير الأضطرابات في البحرين أو اي دولة خليجية اخرى، هي حيلة قديمة من إبتكار السياسة الخارجية الاميركية لتبرير الوجود غير المشروع للقوات الاميركية في منطقة الخليج الفارسي " .
ومن جانبها قالت صحيفة ( طهران تايمز ) : ” أن المواطنين في البحرين لجأوا الى الاضطرابات في غياب الاحزاب السياسة والتعددية وجماعات الضغط والمعارضة المنظمة لاقناع الحكومة بأعادة البرلمان " .
وأضافت تقول : ” بدلآ من التصدي لحل مظالم شعب البحرين لجأ المسؤلون الى الاعتقالات والقمع وتكميم الافواه، انها حيلة قديمة تستخدم للهروب عن معالجة المطالب الأساسية الجوهرية للمواطنين " .
وفي سياق متصل، وصفت مجلة ( الايكونوميست ) الصادرة في 12 أبريل 1996، تشدد القيادة السعودية تجاه الاحداث في البحرين، بأن هذه القيادة لاترغب بالمطلق أن ترى فيروس الديمقراطية القبيح يعبر في الاتجاه المعاكس ( أي الى الجانب السعودي ) وفوق كل شيء تخاف من أن اصابة واحدة من مسلمي البحرين الشيعة قد تخلق بداية لانتشار حمى العداء للنظام وللسنة بين شيعة السعودية الذين يعيشون في المنطقة الشرقية الاقرب الى البحرين " .
وأضافت المجلة : ” أن النظام في البحرين، كان يدعي دائمآ انه اكتشف يدآ ايرانية، وكذلك عيونآ وراء إضطراباتها، لكنه كان يفشل في كل مرة من تقديم الدليل القاطع على ذلك، ولقد اعترف معتقلون بأنهم تدربوا من قبل مجموعات تدعمها ايران، لكن قصص التعذيب في سجون البحرين تجعل من مثل هذه الادعاءات لاقيمة لها " .
في كل الاحوال يقراء المراقبون، الاتهامات التي تسوقها السلطة البحرينية وأبواقها في الداخل، وحلفائها في مجلس التعاون الخليجي ضد المعارضة أو ايران، حول القلاقل الداخلية التي عصفت بالبلاد طوال أربع سنوات من الانتفاضة الشعبية السلمية، بأنها مجرد مزاعم وإفتراءات لاأساس لها من الصحة ويراد بها تبرير فشل السلطة في معالجة الاوضاع المعقدة في البحرين أو القضاء على الانتفاضة الشعبية، والقاء اللوم على قوى المعارضة الوطنية والاسلامية وايران بتحريك الشارع البحريني .
انها في حقيقة الامر، نفس الاتهامات والمزاعم التي كانت تتكرر في كل الانتفاضات الشعبية السابقة، التي حدثت في البلاد ضد الظلم والقهر والتعسف العام، حيث كانت السلطة في عدة عقود تكيل الاتهامات الظالمة تارة الى مصر الناصرية بوقوفها الى جانب القوى والتيارات القومية المطالبة بالحرية والديمقراطية و طرد المستعمر الاجنبي، وتارة اخرى باتهام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بدعم القوى الديمقراطية البحرينية في مشاريعها الهادفة بالاطاحة بالاسرة الحاكمة في البحرين من أجل إقامة نظام شيوعي آخر على أنقاضه في البحرين و في المنطقة.
---------------------------------------------------------------------------------------------
* هذه الموضوعة منقولة من كتاب سيصدر قريبآ تحت عنوان ( البحرين من المشيخة إلى المملكة ) تأليف هاني الريس وتوطئة الدكتور سعيد الشهابي وتقديم الدكتور عبدالهادي خلف .

الثلاثاء، 5 مايو 2009

حقائق من انتفاضة التسعينات ( 4 ) الاسباب التي فجرت المصالحة بين السلطة والمعارضة وتجديد دورة العنف في البحرين

هاني الريس
تجددت دورة العنف والعنف المضاد في البحرين، بعد إنهيار المصالحة التي عقدتها الحكومة مع حركة احرار البحرين الاسلامية وسماحة الشيخ عبدالامير الجمري، بالذات بوصفه الزعيم الأقوى في الحركة الدستورية والاسلامية المعارضة، والذي ظل يحظى بشعبية جماهيرية واسعة واحترام وتقدير كافة القوى
والتيارات السياسة الاسلامية والديمقراطية والوطنية والقومية في البحرين، بفضل شفافيته و تسامحه وانفتاحه على الجميع، من أجل تحقيق الاهداف الوطنية الكبيرة التي ناضلت واستشهدت من أجلها أجيال من شعب البحرين، وذلك نتيجة تراجع الحكومة عن تعهداتها والتزاماتها بتنفيد نصوص الاتفاق الذي أبرمته وزارة الداخلية البحرينية، داخل السجن مع لجنة المبادرة الامنية بقيادة الشيخ الجمري، والتي كانت تقضي بوقف الانتفاضة الشعبية، في مقابل الافراج عن كافة المعتقلين والمسجونين، من قيادات وقواعد وأنصار الحركة الدستورية، وفتح حوار سياسي بعد معالجة جميع القضايا المطروحة للحوار الوطني الذي طالبت به المعارضة، عندما اتهمت السلطة أعضاء لجنة المبادرة بتضليل الناس واستمرار دفعهم نحو المواجهة العنيفة مع قوات الأمن، خلال فترة اعتصامها في منزل سماحة الشيخ الجمري، حيث صعدت السلطة حملات القمع والاعتقالات العشوائية والتعذيب والقتل والنفي القسري للمواطنين، تعبيرآ عن واقعها وطبيعتها الأستبدادية القمعية، الأمر الذي حول البلاد، بعد ذلك إلى كابوس حقيقي يثير القلق المشوب بالخوف في نفوس المواطنين في مختلف المناطق البحرينية، خاصة بعد أن هددت السلطة بفرض الاحكام العرفية، وخروج تصريحات عسكرية من أن قوة دفاع البحرين، على استعداد لتنفيد الاوامر الصادرة من كبار المسؤلين، للتصدي لما وصف بأنه ( مؤامرة إرهابية شيعية ) تستهدف النظام السياسي والعائلة الحاكمة في البحرين .
وجاءت الأحداث بعد إنهيار المصالحة بوتيرة سريعة أكثر مما قد توقعته السلطة، حيث تبين للعيان المحاولات الملتوية والخبيثة للسلطة، و حيث إحتدمت التناقضات بين شعب البحرين بمختلف طبقاته الاجتماعية وقواه السياسية وشخصياته الدينية الشيعية والسنية على حد سواء، وبين الفئة الحاكمة القابضة على زمام الأمور في البلاد، والتي ظلت دائمآ ترفض الحوار والمصالحة الوطنية، وأمعنت عبر شريحة صغيرة متنفدة يقف على رأسها رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة، معتمدآ في سياسته المعادية للشعب والوطن، على زمرة من المرتزقة البريطانيين والاجانب، الذي يقف على رأسهم مدير جهاز المخابرات والأمن العام العميد ايان هندرسون، حيث أمعن كل هذا الطاقم المتسلط في سياسة الأستبداد والقمع والفساد الاداري، طوال أكثر من ربع قرن من الزمن، منذ حل المجلس الوطني المنتخب عام 1975، وتعطيل المواد الحيوية من دستور البحرين العقدي، واتباع سياسة البطش بالمعارضين، والابعاد القسري، للمئات من العوائل البحرينية إلى مختلف العواصم العربية والعالمية، والامعان في إحتكار السلطة ومختلف المصالح الأقتصادية في البلاد، مما الحق الأضرار بمصالح الشعب والوطن.
وامام كل هذه التطورات الخطيرة التي شهدتها البلاد، في أعقاب انقلاب السلطة على نصوص الاتفاق الامني والأخلال بتعهداتها للحوار الوطني، اصدرت حركة أحرار البحرين الأسلامية، الشريك في هذه المفاوضات، بيانآ أوضحت فيه أسباب إنهيار المفاوضات مع وزارة الداخلية، وتجدد دورة العنف في البحرين، الذي جاء نتيجة ثلاث خطوات سلبية – بحسب البيان – أقدمت عليها السلطة البحرينية، بعد تشكيكها بالنوايا الحسنة تجاه لجنة المبادرة ومجمل الحركة الوطنية والديمقراطية البحرينية، واصرارها على تصعيد الوضع لكي تتاح لها فرصة القضاء على الأنتفاضة الشعبية .
الأول : اخطار مدير جامعة البحرين، بأمر من وزير التربية والتعليم عبدالعزيز الفاضل، الدكتورة منيرة فخرو، بتوقيفها عن العمل، وذلك في رسالة رسمية سلمت اليها شخصيآ، وبهذا الأخطار أصبحت الدكتورة منيرة فخرو، ممنوعة من القاء محاضرات على الطلاب أو الحضور إلى،مكتبها في الجامعة، وكانت الدكتورة فخرو، قد شاركت في مؤتمر المرأة العالمي في العاصمة الصينية بكين، مما أزعج السلطة البحرينية التي أرسلت وفدآ رسميآ من بنات العائلة الحاكمة وموظفات محسوبة عليها من مختلف وزارات الدولة الرسمية، كما أنها وقعت على عريضة الى جانب 200 سيدة وفتاة، تطالب بأعادة العمل بدستور البحرين العقدي للعام 1973، ورفع حالة الطوارىء ووقف عمليات التعذيب وتوفير الفرص الاجتماعية والعمل للمواطنين، وكانت من ضمن الذين تبنوا العريضة الشعبية التي تطالب باعادة الحياة الديمقراطية ووقع عليها أكثر من 25 الف مواطن من مختلف الفئات والتيارات والطوائف البحرينية، ويبدو أن أهم الاسباب التي دفعت السلطة الى إيقاف الدكتورة منيرة فخرو، عن العمل هو انها القت محاضرة عن أسباب تفجر الأنتفاضة الشعبية في البحرين، في ندوة أكاديمية في مدينة ميلانو الايطالية، في نفس الوقت الذي قامت فيه السلطة، بأقالة مجموعة من السيدات البحرينيات، لأنهن رفضن كتابة الاعتذار عن مواقفهن الوطنية المطالبة بعودة الدستور والأصلاح الديمقراطي، من أمثال حصة الخميري، التي قدمت خدمتة دامت ثلاثين سنة في وزارة التربية والتعليم، وعزيزة البسام، الكاتبة والعضوة النشطة في الحركة النسائية في البحرين .
الثاني : فشل السلطة في اطلاق سراح العدد المتفق عليه من السجناء مع قادة الانتفاضة الشعبية الذين أفرج عنهم، وحسب هذا الاتفاق فقد كان على السلطة الافراج عن 600 سجين سياسي دفعة واحدة مع سماحة الشيخ الجمري، لكنها لم تفرج إلأ عن 200 معتقل إلى جانب الشيخ الجمري، علمآ بأن السجون ظلت تختنق بالمواطنين الذين ساقتهم قوات الأمن إلى هناك بصورة عشوائية لمجرد الأشتباه بأنهم من أنصار الحركة الدستورية والشيخ الجمري .
الثالث : عودة السلطة إلى فتح ملفات المعتقلين ومحاكماتهم، خلافآ للاتفاق مع قادة لجنة المبادرة الأمنية، امام محكمة أمن الدولةالتي يحاكم فيها اشخاص أبرياء بتهمة المشاركة في التظاهرات والعمل السياسي .
وفي هذه الاجواء الساخنة، تعالت الأصوات المطالبة بالعودة إلى الأنتفاضة وجددآ، تعبيرآ عن رفض الغالبية الشعبية للاجراءات الظالمة التي تمارسها السلطة الحاكمة في البلاد، ورفضها للمصالحة الوطنية على قاعدة الحوار المسؤل الذي يمكن أن يخرج البلاد من دوامة الأزمات السياسية والأجتماعية والأقتصادية الخانقة والمستمرة منذ عدة عقود مضت، وأتبعت الحركة المطلبية البحرينية، طريق الخيار السلمي الذي التزمت به منذ تفجر الأنتفاضة الشعبية، لحل الازمة، حيث عبرت في العديد من المناسبات عن ضرورات الأصلاح وتقويم الأوضاع السياسية والأجتماعية والأقتصادية، وإيجاد أعمال للعاطلين الذين بسببهم بدأت بوادر الأزمة التي طحنت البلاد طوال أكثر من أربع سنوات من العسف العام، وأبدت مختلف قوى المعارضة والتغيير، حرصها الشديد على استقرار الأوضاع ومناشدة الحكم بالعودة إلى تفعيل المواد الحيوية المعطلة من دستور البحرين العقدي لعام 1973، وإجراء انتخابات عامة لمجلس وطني كامل الصلاحيات الرقابية والتشريعية، واطلاق الحريات وحل مشكلة البطالة والسماح للمرأة بالمشاركة السياسية وبعودة جميع المبعدين إلى البلاد من دون أية شروط مسبقة، واطلاق سراح كافة المعتقلين والسجناء السياسيين .
وفي مقابل ذلك، قامت السلطة بقمع الحركة المطلبية، بعد أن صورت لنفسها بأنها قادرة على اسكات أصوات المعارضة الشعبية ووقف تداعيات الأنتفاضة المباركة، عندما قامت بشن حملات اعتقال واسعة النطاق في أوساط الحركة المطلبية، حيث دفعت بجحافل مرتزقة العميد هندرسون، ليواصلوا سياسة التنكيل بالمواطنين وخرق الحريات، حيث شهدت البلاد طوال ذلك الوقت موجات واسعة من العنف بي أجهزة الأمن والمواطنين العزل، ذهب ضحيتها العشرات من القتلى والجرحى من طلقات الرصاص الحي والمطاطي وتحت وطأة التعذيب في السجون .
وكان رد الفعل الشعبي تجاه كل هذه الممارسات، مسالمآ وملتزمآ بقضايا النضال الحضاري السلمي النابذ للتعصب والعنف، حيث خرجت المسيرات والمظاهرات من مختلف مناطق البحرين تطالب بالحرية والديمقراطية وحقوق الأنسان، رافعة شعارات الأصلاح السياسي والأجتماعي والأقتصادي كسلاح وحيد في مقابل الرصاص والغازات المسيلة للدموع والأعتقالات العشوائية وأقتحام البيوت وترويع المواطنين ومنعهم من التجمهر والأحتجاج وحتى من التنقل بين منطقة وأخرى بذريعة الحفاظ على الأمن، الأمر الذي كان يعكس أساسآ اقتناع السلطة بأن تحقيق أمنها وليس أمن المجتمع برمته، يحتاج إلى تحقيق نتائج أفضل في مجالات المراقبة الامنية المكثفة وتشديد الخناق على الحريات وتوسيع حملات الاعتقال العشوائي وبناء السجون الجديدة، وبحسب بيان رسمي لمنظمة الصليب الاحمر الدولية صدر في شهر ديسمبر من العام 1998، كان هناك أكثر من 2111 سجين سياسي يرزحون تحت وطأة التعذيب في معتقلات وسجون البحرين، ذنبهم الوحيد هو دعوتهم لعودة العمل بالدستور وإجراء انتخابات عامة للمجلس الوطني اللذان جرى تعليقهما منذ العام 1975 .

----------------------------------------------------------------------------------------
هذه الموضوعة منقولة من كتاب سيصدر قريبا تحت عنوان ( البحرين من المشيخة إلى المملكة ) تأليف هاني الريس وتوطئة الدكتور سعيد الشهابي وتقديم الدكتور عبدالهادي خلف .