الأربعاء، 24 يناير 2007

لقاء صحفي مع ( الوسط ) البحرينية 2007


المعارض البحريني هاني الريّس لـ«الوسط»:
المعارضة العائدة إلى الوطن لا تملك رؤية واضحة
الوسط - حيدر محمد
ربما عشق فعلاً الهجرة التي لازمته منذ سنوات شبابه الأولى، والسبب في ذلك حلمه في «إقامة مجتمع فاضل» قد لا يتوافر في أية تجربة سياسية عربية على الأقل. آثار الهجرة بدت واضحة على محيا ابن الدراز التي غادرها مبكراً، عندما قرر الانخراط في صفوف «الجبهة الشعبية» في البحرين، وهي إحدى ابرز الحركات السياسية اليسارية في البحرين.

عندما خرج من البحرين قبل عقدين ونيف أخبر أهله أنه سيعود إليهم بعد أسبوعين، ولكنه لم يعد إلا بعد 25 عاماً ولأسبوعين فقط... من الدراز إلى بيروت التي كانت فضاء حرا للثوار العرب من شتى الأقطار بدأ منها رحلة أحلامه في بحرين تتسع للجميع، وبعد انتهت إقامته اضطر لأن يغادر بيروت ولكن إلى الدنمارك هذه المرة ... انه رئيس لجنة التضامن البحرينية الدنماركية المعارض هاني الريس الذي حاورته «الوسط» خلال زيارته القصيرة للبحرين عن رحلة استثنائية، وسألناه أيضا عن رؤيته للوضع السياسي في البحرين ومتى سيعود الطائر إلى عشه الأول؟! وهنا نص الحوار...

أشهر، وبعد لقاء مع وزير الداخلية السابق سمح باعطائي جوازي للسفر وكان ذلك في نهاية السبعينات، إذ قدمت تعهدا للوزير بان يسلمني الجواز لأسافر وأقدم اختبارات في بيروت وأعود، وأخبرت أهلي أنني سأقدم امتحانات لأسبوعين فقط، ومنذ ذلك اليوم كنت مبعدا سياسيا في الدنمارك حتى العام 2002، وبقيت أسبوعين في البحرين. متى خرجت من البحرين؟

- خرجت من البحرين بعد اعتقالي وحجز جواز سفري لتسعة

ولكنك لم تقرر الإقامة في البحرين كالآخرين؟

- لم أبق في البحرين لأننا لم نر الأوضاع التي كنا نطمح إليها، إذ كنا نطمح إلى إعادة العمل بدستور 73 والى تنمية سياسية وديمقراطية حقيقية، والى تعويض الضحايا والشهداء والمنفيين، ولا أكذب إن قلت لك إنني كنت من التيار المتشاءم، وعندما أتيت إلى البحرين واطلعت على الحال السياسية عن قرب وجدت أن ثغرات كبيرة فرضتها ظروف المرحلة المحلية والدولية.

وهل ذهبت إلى بيروت كما أخبرت أهلك بذلك؟

- فعلاً، ذهبت إلى بيروت، وهناك أجريت لقاءات واتصالات مع أحزاب وحركات تحرر عربية، ودائما كنا ندافع عن قضايا شعب البحرين ونطرح همومه العادلة في الكثير من المؤتمرات واللقاءات الحزبية على أمل أن تكون البحرين متطورة ومتقدمة، ومكثت في بيروت إلى العام 1984، وكنت أتنقل خلال تلك الفترة بين بيروت ودمشق، وبعدها انتهى جواز سفري البحريني ولم استطع البقاء في لبنان، لان السفارة البحرينية رفضت تجديد جواز السفر وعشت عاما كاملا من دون إقامة في بيروت.

وكيف تصرفت إذن؟

- من بيروت سافرت إلى الدنمارك وقدمت طلبا للجوء السياسي، وتنقلت في معسكرات اللاجئين السياسيين في مختلف مناطق الدنمارك، وكانت قضية البحرين غير واضحة بالنسبة للحكومة الدنماركية، إذ كانت ترى أن البحرين بلد يخلو من أي صراع سياسي، ولكننا من خلال الوثائق التي كشفت قضايا المجتمع البحريني وحوادث أمن الدولة فضحنا الممارسات القمعية الناتجة عن غياب السلطة التشريعية ومؤسسات المجتمع المدني والاعتقالات وقتل بعض المعتقلين تحت وطأة التعذيب، وعرضنا أفكارا معمقة عن التظاهرات التي تطالب بعودة المواد الحيوية المعطلة من الدستور.

هذه الوثائق والكتيبات التي قدمناها حصلت عليها بعد تشكيل محكمة خاصة للنظر في قضيتي، وكانت تتكون من عشرة قضاة ومحاميين وممثل عن الصليب الأحمر الدنماركي ووزارة العدل ونقابة المحامين، وبعد أن أثبتت المعلومات والوثائق أن البحرين آنذاك دولة غير ديمقراطية ولا تعمل بحقوق الإنسان، قرروا منحي اللجوء السياسي ومن خلال هذا اللجوء كنت أحمل هموم وقضايا شعب البحرين وأحاول إيصال قضايا هذا الشعب من خلال الندوات وحملات تواقيع والتضامن مع شعب البحرين، ومن خلال التعريف بالواقع المعاش في البحرين للاسكندافيين عموما وللدنماركيين خصوصا ومنحناهم تصورا لمجريات الحوادث، وكنا نركز على القضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان.

لجنة التضامن الدنماركية البحرينية

وهل أطر ذلك النشاط بعمل مؤسسي؟

- نعم، أسسنا لجنة التضامن الدنماركية البحرينية تحت لواء الجبهة الشعبية في البحرين في العام 1990 وتأسست على أيدي ثلاثة أشخاص هم(عبدالرحمن النعيمي، عبدالنبي العكري وأنا) وهذه اللجنة تضم 100 عضو من مختلف الفعاليات الدنماركية من المحامين وأعضاء البرلمان والمثقفين والصحافيين، وكانت تتابع الشأن البحريني وأصدرنا دراسات عن الوضع الديمقراطي في البحرين.

إن هذه النشاطات تزامنت مع حرب الخليج والتطورات الملتهبة في البحرين بسبب انتفاضة التسعينات، وشاركت اللجنة في بعض الفعاليات في جنيف، وأقمنا ندوة شهيرة في داخل البرلمان الدنماركي عن البحرين في أيام انتفاضة التسعينات وركزنا على غياب الديمقراطية وانتهاكات حقوق الإنسان في البحرين، وحضرتها فعاليات كثيرة وخصوصا طلبة الحقوق والعلوم السياسية الدنماركيين وحوالي 400 شخصية مختلفة.

وهل كان لما تقومون به صدى على البحرين؟

- الحكومة كانت متأثرة من هذا النشاط، لأنها تعتبره مسيئاً لسمعة الوضع الذي حاولت تقديمه للرأي العام الغربي، ولكننا استمررنا في هذا النشاط لان هذا العمل اعتبرناه خدمة للقضية الوطنية لحث البحرين على احترام المواثيق الدولية التي وقعت عليها، وللتاريخ فإننا لم نسع لخدمة برامج تياراتنا المختلفة.

35 بحرينياً في الدنمارك الآن

وكم يبلغ عدد البحرينيين المبعدين في الدنمارك؟

- كان في الدنمارك حوالي 70 عائلة بحرينية (بقي منهم 35 مواطناً بحرينياً فقط الآن) من أصل أكثر من 2000 مواطن بحريني في المنفى، وبودّي أن أسأل: هل الدولة بمواردها النفطية لا تستطيع تعويض 2000 مواطن أجبروا على الخروج من وطنهم في حين أن الحكومة الدنماركية والحكومات الأخرى منحتهم الضمان الاجتماعي ووفرت مساكن لكل اللاجئين البحرينيين فضلا عن التعليم المجاني والخدمات الصحية المتميزة ورواتب للأطفال بالإضافة إلى الحقوق السياسية؟! فمن حصل على الإقامة الدائمة كان من حقه الترشيح والتصويت في الانتخابات البلدية والنيابية، وهذه الظروف لا تتوافر للبحرينيين في بلدهم الأصلي، وهذه من ضمن الأسباب التي أثنت البعض عن العودة، إذ إن الإنسان يشعر بقيمته الحقيقية هناك.

التجاوب الرسمي مع العائدين محدود

وما الذي كنتم تأملون رؤيته في البحرين؟

- عندما رجع عدد من المنفيين إلى البحرين كانوا يأملون في منحهم حقوقهم التي فقدوها باعتبارهم مبعدين قسرا عن بلدهم، وقسم من هذه العوائل بقيت في البحرين، وهؤلاء يبحثون الآن عن لقمة العيش الكريم، وغالبيتهم من دون مسكن يأويهم (...) حدثت بعض التحركات الشعبية والمجتمعية لمساعدتهم، ولكن التجاوب الرسمي كان بطيئا ومتخوفا ومتلكئاً في الكثير من المحطات، وهؤلاء ربما أرادتهم بعض الجهات الرسمية أن يكونوا شماعات لواجهات وطنية في الخارج في الوقت الذي يتمتع غيرهم بالجنسية البحرينية من دون الالتزام بالنصوص القانونية المعمول بها.

نحن سنراقب التجربة النيابية

وكيف تنظر إلى الانتخابات النيابية الأخيرة؟

- القوى السياسية قاطعت انتخابات 2002، وشاركوا في الانتخابات الأخيرة على رغم أن تطورا لم يحدث، وهذه القوى شاركت مقابل وعود بالتطوير والإصلاح، ولكن النظام السياسي يجب ألا يرتكز على الوعود فقط. ومن هنا لا أتوقع أن ينجح المجلس في تحقيق مطالب وطموحات الناخبين الذين شاركوا في الانتخابات بكثافة، لأن هناك نصوصا دستورية ولائحة داخلية تحد من فرص الانجاز، وعموما نحن والشعب سنراقب هذه التجربة، وإذا لم يحدث تغيير جوهري في نمط التفكير لدى السلطة، وإذا لم تتوفر إرادة للتغيير نابعة من صدق فلن يستطيع البرلمان أن أي يحقق شيئا ملموسا على رغم حماس الناس للتغيير الذين عبروا عنه من خلال الإقبال الكثيف من الناخبين على صناديق الاقتراع. ومن جهة أخرى أتمنى ألا ينشغل المجلس بالقضايا الخدمية والصراعات على الامتيازات الشخصية.

يستشف من كلامك أنك ميال للمقاطعة؟

- أنا امنح الناس قناعتهم في المشاركة أو عدم المشاركة، فذلك حق أصيل لهم ولا ينبغي مصادرته في أي حال من الأحوال، ولكن قناعتي الخاصة أن غياب المشاركة الحقيقية لا يمكن أن يكون بوابة لإصلاح حقيقي.

وألا تعتقد أن هناك فرصة حقيقية للتغيير يمكن استثمارها؟

- إذا وجدت الإرادة الصادقة، ولن يتحقق ذلك إذا لم تكن هناك مؤشرات تضمن وجود مشاركة حقيقية، ومقدمة ذلك أن يساوي كل صوت الصوت الآخر في التمثيل، وإصلاح النظام الانتخابي احد أبواب الانفتاح على النظام الملكي الدستوري، وإذا رغبنا في أن نعيش حياة دستورية على غرار الممالك الأخرى يجب منح المواطن فرصة المشاركة الحقيقية، وصولا لتداول أركان السلطة التنفيذية على قاعدة الانتخابات ذات المقدمات الموضوعية مستقبلا، كما أن السلطة التنفيذية شاركت بكل قوة في دفع بعض عناصرها وإبعاد من لا يروق لها عن المجلس النيابي الحالي.

برنامج نواب المعارضة

وماذا عن نواب المعارضة؟

- احد أسباب الإخفاق أن المعارضة العائدة إلى الوطن لم تمتلك رؤية موحدة تجاه إصلاح الوضع السياسي، وكانت العودة فردية من دون تنسيق، وبعضهم كان يطمح في الحصول على موطئ قدم في الوضع الجديد، والذين عادوا أسسوا لحياة جديدة في الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني ولهم نشاط إعلامي واجروا الكثير من الندوات والمؤتمرات، ومنحوا فرصة للتعبير ولكن لم يمنحوا الفرصة للتغيير على قاعدة «قولوا ما شئتم، ونفعل ما نريد».

إن الـ 18 نائبا الذين يمثلون قوى المعارضة إذا كان لديهم مشروع وطني حقيقي واستطاعوا أن يتجاوزوا الحال الطائفية التي يراد لهم الانغماس فيها، فحينها يستطيعون أن يبدأوا خطوة الألف ميل.

حرق المراحل

البعض هنا دائما ما يحذر من خطورة حرق المراحل، ولكنكم تعارضون هذا النهج المتدرج؟

- تراكم الخبرات أمر مهم، ولكن البداية يجب أن تكون صحيحة ومتفقاً عليها وفي إطار زمني معقول، ولا يجوز أن نعلق إخفاقاتنا على شماعة تراكم الخبرات، فالمجتمعات الغربية أقرت قانون العمل ذي الـ 8 ساعات بعد سفك الدماء والصراعات، وفي المقابل نحن في المجتمعات الشرقية حققنا الـ 8 ساعات من دون صراعات.

إن دساتير الممالك الدستورية مرت بمراحل مختلفة، وكان للشعوب والكنيسة وقوى الضغط الاجتماعي تأثير فيها ودفعت الشعوب ثمنا باهظا في سبيل تحقيق هذا التطور الدستوري، ولكن السؤال: نحن لماذا لا نستفيد من حصيلة الخبرة؟(...) يجب أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، لا من حيث بدأوا!

العودة إلى البحرين

وهل هناك حوارات بينكم وبين المسئولين الآن؟

- كلا، الحكومة استكملت مشروعها بعد التصويت على الميثاق والانتخابات الأخيرة، غير أن الدولة إلى الآن لم تفلح في إقناع من هم في الخارج بالعودة لأسباب مختلفة وأبرزها إقناعهم بجدية العمل نحو التطوير