الخميس، 9 أبريل 2009

حقائق من انتفاضة التسعينات ( 3 ) الحكومة ترفض الرأي الآخر ... وتقوم بتزوير ( رسالة اعتذار ) عن الشيخ الجمري

هاني الريس
إزدهرت آمال المواطنين في البحرين، وإستبشروا بألاتفاق الامني الذي توصلت إليه حركة أحرار البحرين الأسلامية مع وزارة الداخلية البحرينية، لتحديد شكل المفاوضات التي تستهدف إنهاء الاضطرابات والعنف والعنف المضاد في البحرين خلال الانتفاضة الدستورية المباركة .
ولقد كان لقادة الحركة مايكفي من المبررات للتنبؤ بالتوصل إلى اتفاق بين الطرفين، بعد تعهدات قطعها الحكم على نفسه لتحقيق المطالب الشعبية التي رفعتها الحركة الدستورية تدريجيآ بعد أن يستتب الأمن والاستقرار في ربوع البحرين وتعود الحياة الى طبيعتها قبل الاحداث وتطوراتها المخيفة، وبالفعل قد ساد الهدؤ بعد إطلاق سراح الدفعة الاولى من قادة المبادرة الامنية، وتولدت هناك مشاعر جياشة في التفاؤل بوجود انفراج سياسي شامل بعد اطلاق سراح بقية القادة الذين كان آخرهم سماحة الشيخ المجاهد عبدالأمير الجمري، حيث خرجت البحرين عن بكرة أبيها تغمرها الفرحة العارمة لاستقبال هذا الشيخ الجليل والرمز الكبير في المعارضة الوطنية والأسلامية، انه في حقيقة الامر كان عرسآ شعبيآ بامتياز، وقد إحتاج قادة المبادرة الآمنية لأكثر من شهرين للرد على التحدي الذي أعلنه الاتفاق على إنها العنف والاضطرابات ووقف مسلسل الاعتقالات في أوساط الحركة المطلبية، تمهيدا لتحقيق كافة المطالب الشعبية الذي قطع الحكم على نفسه تحقيقها بعد أن يستتب الاستقرار ويسود الأمن ربوع البلاد، وفي خضم مرحلة الانتظار والهدوء التام الذي ساد الساحة البحرينية، انقلب الحكم على كل التعهدات واستمرت قوات الأمن وجحافل المرتزقة الاجانب في محاولات إستفزاز المواطنين وتكميم الافواه ومصادرة الحريات .
وقد خابت آمال الشعب بتحقيق التقدم المرجوا في المفاوضات بين وزارة الداخلية وقادة المبادرة، عندما رفض الحكم الألتزام بتنفيد كافة بنود الأتفاق، واصراره على إبقاء العديد من المعتقلين رهائن، وقيامه بحملة اعتقالات جديدة طالت النساء والشيوخ والاطفال، وابعاد عوائل ومواطنين إلى الخارج مرة اخرى، بل وتقديم وجبة اخرى من المعتقلين إلى المحاكمات، وإعدام بعض المواطنين بعد اصدار القضاه البحريني أحكام غير عادلة وليست قانونية، إضافة الى عدم مباشرة الحوار السياسي مع كل الصف الوطني الديمقراطي والاسلامي الممثل في العريضة الشعبية، وإطلاق التصريحات المتعالية من قبل كبار المسؤلين لتسفيه الانتفاضة الدستورية وإحتقار قادتها وتلفيق الاتهامات ضدهم ووصفهم بالخونة وعملاء الخارج .
وعندما شعر قادة المبادرة الامنية بالخديعة من ممارسات الحكم ومن كافة أساليبه الملتوية والخبيثة، لجأو إلى ممارسة الأساليب المتطورة لمواجهة تحدياته ونفاقه وخدعته، فقاموا بأعتصام في مجلس سماحة الشيخ الجمري، احتجاجآ على ماقامت به وزارة الداخلية من ممارسات توحي بتخليها عن تنفيد التزاماتها وتعهداتها باطلاق سراح المعتقلين والموقوفين في سجون البحرين وتحقيق المطالب الشعبية، وتم اختيار الاستاذ عبد الوهاب حسين، ناطقآ رسميا بإسم الاعتصام، وعندما شاركهم في هذا الاعتصام آخرون من رجال الذين والمثقفون ورموز الحركة الشعبية، واحتشدت الجماهير المؤيدة والداعمة للاعتصام من جميع مناطق البحرين، قبالة محيط منزل الشيخ الجمري، حاصرت قوات الأمن المدججة بالاسلحة والمعدات، مكان الاعتصام ومنعت الناس من الوصول اليه، بعد أن وضعت الحواجز العسكرية وكاميرات المراقبة لالتقاط الصور وقامت بارتكاب الحماقات وضرب النساء والاطفال بقسوة بالغة، في نفس الوقت الذي ظلت تحتجز فيه المواطنين من مختلف الاعمار وتسوقهم إلى المعتقلات وتمارس ضدهم صنوف التعذيب، وبدأ من الواضح حينذاك، أن دورة العنف والعنف المضاد على وشك أن تنفجر من جديد حيث تجري الامور بمالاتشتهي رياح التغيير، وحيث أن الحكم بدأ يستعد بدعم وتأييد معنوي وسياسي وعسكري من غالبية دول منظومة التعاون الخليجي وبخاصة المملكة السعودية التي تعهدت بارسال الجنود لسحق ماوصفته القيادة السعودية ( بالمؤامرة الشيعية لقلب نظام الحكم في الشقيقة البحرين ) إلى مواجهة غير محسوبة العواقب مع قوى المعارضة البحرينية .
ومع ذلك فقد أصدر قادة المبادرة الأمنية، بينآ دعوا فيه شعب البحرين، الى التمسك بالخيار السلمي لتحقيق كافة مطالبه المشروعة، وعدم الانجرار الى الأستفزازات التي تمارسها قوات الأمن لاجهاض التحرك المطلبي، وعدم الرد عليها إلا بأستخدام الاساليب الحضارية والمتمدنة وفي حال الدفاع عن النفس .
وبعد مرور إسبوع واحد فقط من الاعتصام الذي كان ناجحآ بكل المقاييس من حيث دقة التنظيم والاعداد وتشجيع الناس على التهدئة وضبط النفس والالتزام بخيار المقاومة المدنية الشاملة، قام الحكم بنشر رسالة في مختلف وسائل الاعلام المحلية والعربية والعالمية على حد سوا، إدعى بأنها موقعة بإسم سماحة الشيخ الجمري ورفاقة في لجنة المبادرة، قالت " انهم يعتذرون إلى أمير دولة البحرين عيسى بن سلمان آل خليفة، على كل مابدر منهم من تصرفات أدت الى الأضطرابات وأعمال العنف الدامية في البحرين، وانهم بذلك يعلنون التوبة والولاء لأمير البحرين وحكومته " وما أكدت عليه هذه الرسالة المزعومة والملفقة، نفاه وبشكل قاطع الشيخ الجمري ورفاقه في لجنة المبادرة، الذين أعلنوا للجماهير من مكان الاعتصام، انهم في حل من أمر هذه الرسالة ( الكذبة ) التي فاجئتهم بها وزارة الداخليةالبحرينية، بعد أن نقضت تعهداتها وعدم احترامها لكل ماتم الاتفاق عليه لحلحلة الوضع المأزوم في البلاد، خلال المفاوضات التي جرت بينهم وبين كبار المسؤلين في وزارة الداخلية .
وفي مقابل ذلك كان واضحآ، أن قادة المبادرة، كانوا يدعون الناس الى الصبر، والتفهم، وإلى شيء من المرونة، تجاه ماكانت تروج له السلطة البحرينية وابواقها في الداخل والخارج، من إتهامات ومعلومات كاذبة عن الانتفاضة الدستورية وقادة المبادرة الأمنية، فليس يخفى على أحد، الممارسات القمعية الاستبدادية لقوات الأمن البحرينية ضد الأصوات المنادية بالحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، وصرف الأموال الطائلة على الدعاية الاعلامية التي تمجد السلطة والحكم في البحرين في مختلف وسائل الاعلام المحلية والعربية والعالمية على حساب الأرادة الشعبية، كما انه ليس جميع الناس يصدقون مايقوله المسؤلون في البحرين، عن أن الانتفاضة طائفية وقادتها عملاء للخارج، فالشعوب الحرة والمنظمات الدولية تدرك حقيقة الامور في البحرين، وتحرص على الاستمرار في الضغط على الحكم والحكومة لتنفيد برامج الاصلاح، التي تناضل من أجلها غالبية شعب البحرين، فلم يكن امام قادة المبادرة سوى شق الطريق السلمي الصحيح لاقامة مجتمع ديمقراطي حقيقي في البحرين، بدلآ من النهج القمعي الذي يمارسه الحكم ضد الارادة الشعبية، ولكن على الرغم من ذلك ظلت قوات الأمن البحرينية، تتحرش بالناس وتستفزهم في مناسبة أو غير مناسبة، وتحاصر القرى وتضع في بواباتها الحواجز الأمنية وتفتيش المغادرين والقادمين اليها بصورة لاتخلو من ألاسائة والشتم والضرب المبرح ، وفي أحيانآ كثيرة يسلب الجنود مايجدونه من أشياء ثمينة في حوزة الناس، تحت مبرر الممنوعات، وكل ذلك يجري بعلم ودراية كبار المسؤلين في البلاد، الذين حرصوا على الأمعان في إذلال المجتمع وتمزيق وحدته وإطفاء جدوة الانتفاضة الشعبية المباركة، التي أقلقت مضاجع الحكم طوال أربع سنوات متتالية من المقاومة السلمية .
ومن خلال هذه الممارسة الخاطئة والكاذبة، يتضح عجز الحكم وإفلاسه وعدم مصداقيته لمعالجة كافة الامور الصعبة التي عصفت بالبلاد في ذلك الوقت، بل أنه بذلآ من وضع ركائز الاصلاح والتشديد على الاستقرار، قام بافتتاح جولات جديدة من الصراع العنيف مع مختلف قوى المعارضة والتغيير في البلاد، الذي إشتذ عودها حيث عبرت فئات واسعة من جماهير الشعب عن إنخراطها في الانتفاضة الشعبية وفي الصراع القائم بين الحكم والمعارضة الوطنية والاسلامية، سواء في المهرجانات الحاشدة لاستقبال المواطنين المفرج عنهم من سجون النظام، أوفي اللقاءات والخطابات التي ألقيت في مثل هذه المناسبات من قبل ممثلي التيارات السياسية والدينية، أو في تشييع جنازات الشهداء الابرار الذين سقطوا دفاعآ عن حرية الوطن والمواطنين في البحرين، وفي غير ذلك من الممارسات الحضارية السلمية، مثل القيام بتوزيع المنشورات التي تدعوا الى الوحدة والتمسك بالثوابت الوطنية والتعايش السلمي المجتمعي ومقاومة الظلم والقهر والاستبداد، و إشعال الاطارات وإطفاء أنوار المنازل والامتناع عن التسوق لعدة ساعات، تعبيرا عن رفض ماتقوم به قوات الأمن، من إنتهاك حرمات الناس والمناطق الآمنة، والتصدي لقوات الامن المعتدية فقط للدفاع عن النفس .
---------------------------------------------------------------------------
* هذه الموضوعة، منقولة من كتاب سيصدر قريبا تحت عنوان ( البحرين من المشيخة الى المملكة ) تأليف: هاني الريس وتوطئة الدكتور سعيد الشهابي وتقديم الدكتور عبدالهادي خلف