الأربعاء، 27 مايو 2009

حقائق من انتفاضة التسعينات ( 5 ) السلطة البحرينية تروج الاتهامات ضد المعارضة الدستورية وتتهم ايران بالتدخل واثارة النعرة الطائفية

هاني الريس

دأبت السلطة وابواقها في البحرين خلال الانتفاضة الشعبية المباركة، على تلفيق الأتهامات والمزاعم الموهومة ضد قوى المعارضة والتغيير في البلاد، وكانت تحاول القيام بذلك كلما تناهت الى أسماعها أخبار الأنتصارات المعنوية والاعلامية التضامنية التي تحرزها قوى المعارضة وجماهير الانتفاضة الدستورية في كافة مواقع النضال الوطني في الداخل والخارج، فتارة تتحدث عن عمليات " تخريب شعبي " تمارسها المعارضة وانصارها لتهديد مصالح المجتمع وإنجازات الدولة التاريخية، وتارة أخرى تتحدث عن " معارضة شيعية" تحاول أن تجعل من ضمن اهدافها الرئيسية " تغيير النظام السياسي والاجتماعي والأقتصادي " القائم في البلاد بالقوة المسلحة، واحيانآ كثيرة تتحدث عن " تدخلات خارجية " مزعومة في الشأن البحريني، من قبل قوى أو دول اقليمية وعربية لاتريد الأمن والاستقرار في البحرين، ناهيك عن كل ماصارت تجاهر به من شائعات ومزاعم كثيرة تحمل على الشك بأهداف وطموحات وأماني شعب البحرين ووحدته الوطنية وأحلامه للمستقبل، فماهي حقيقة هذه الاتهامات والمزاعم الموهومة وماهو رد المعارضة والقوى الخارجية عليها ؟
لاداعي للقول بأن اسلوب الاتهامات الزائفة التي أصبحت ومنذ سنوات طويلة السيناريو الوحيد لدى السلطة البحرينية في زعمها عن وجود " عمليات التخريب الشعبي " وعن " المعارضة الشيعية " وعن " التدخلات الخارجية المحتملة المزعومة " في الشأن الداخلي البحريني ، هي من بين مختلف أساليب التهم والدعاية الخبيثة المغرضة التي إعتادت السلطة على استخدامها كسلاح إعلامي ودعائي براق ومؤثر في جميع مراحل الصراع الدائر بينها وبين المعارضة البحرينية، من أجل تضليل وخداع الرأي العام المحلي والدولي ، وبقاء واستمرار سياسة القمع وتكميم الافواه ضد المطالب الشعبية وبخاصة مطلب الديمقراطية والاقتصاد وحقوق الانسان، التي ظلت تحرص على استمرارها منذ الانقلاب على دستور البلاد العقدي وحل المجلس الوطني المنتخب في العام 1975 وتكريس النظام السياسي الفئوي الاستبدادي القمعي، وبالرغم من كل مساع السلطة لتلفيق الاتهامات ضد المعارضة، فانها طيلة سنوات الانتفاضة الشعبية المباركة، وجدت هذه السلطة من الصعوبة عليها أن تعثر حتى على حقيقة واحدة يصدقها الناس حول هذه الاتهامات والمزاعم، فقد كانت هناك في السابق محاولات اخرى مماثلة اثبتت الوقائع والمحاكمات السياسية التي جرت في البحرين عدم صحتها، وكانت مرفوضة لدي الجماهير والمنظمات الديمقراطية والحقوقية العالمية، باعتبارها كانت تنطوي فقط على عمليات الارهاب الفكري التي ظلت تمارسها السلطة في مواجهة الارادة الشعبية .
لقد أصبح كل مواطن بحريني ومنذ عدة عقود، معتادآ على سماع مثل هذه الاتهامات والمزاعم، خاصة عندما يتحرك الشارع لطرح المطالب الوطنية المشروعة، سواء في تصريحات كبار المسؤلين أو عبر مختلف وسائل الدعاية والاعلام أو في ماتروج له أبواق السلطة من شائعات وأكاذيب مغرضة تجاه المعارضة البحرينية، في محاولات واضحة لتشويه صورتها النضالية والاخلاقية وسحق دورها القيادي للدفاع عن الشعب والمصلحة الوطنية العليا .
لقد كانت المعارضة البحرينية بفصائلها المتعددة الديمقراطية والوطنية والاسلامية، على اختلاف مراحل النضال الوطني السابقة واللاحقة، تعمل وتناضل من أجل اهداف وطموحات وطنية وانسانية وأخلاقية سامية، من اجل المطالبة بحرية الارادة السياسية والديمقراطية والعدل والمساواة في المجتمع، وتكريس الحكم البرلماني الدستوري والتحرر من التبعية والاستغلال الاستعماري القديم والحديث، مستفيدة من كافة الدروس المستخلصة من تاريخ الشعوب التي ناضلت من اجل الاستقلال السياسي والاجتماعي والاقتصادي، واختارت بعد تحريرها من قيود التبعية والاستعمار طريق التنمية المستقلة، بحيث جعلت كل هذه المطالب الوطنية المثلى، الطريق سالكآ لكسب الغالبية الساحقة من جماهير شعب البحرين، ومن دون الحاجة الى تحريضه على ممارسة أشكال العنف وجملة أسباب القهر الأخرى كسبيل وحيد لتحقيق المطالب الوطنية المشروعة، في حين لعبت السلطة البحرينية دورآ معاكسآ لكل هذه التوجهات، واصرت على البقاء وحدها تناطح الجدار في مواجهة المد الشعبي المتنامي ضد سياساتها الاستبدادية القمعية واحتكار الحكم والسلطة وجميع وسائل القوة والحريات .
من هنا نجد محاولات السلطة لمواجة فكر وثقافة المقاومة المدنية، تستمر وتتعزز بتلفيق الاتهامات والمزاعم ضد المعارضة البحرينية، تارة بتفجير الاوضاع الآمنة والمستقرة داخل البلاد من اجل مصالح ذاتية، وتارة أخرى بالطائفية وبمراكز خارجية داعمة للقلاقل الداخلية، وفي كل الاحوال، فانه من الطبيعي،أن اية عقلية مريضة تستطيع أن تتوهم بأي شيء وأن تفعل ماتريده وتضمره، مادامت هي عاجزة عن إدراك الحقيقة والواقع، تمامآ كما يفعل العاجز الذي يرفض مواجهة الواقع بالعثور على ردود مقنعة ويلجأ إلى اسلوب الانفعال والشتم والمضايقة وأحيانآ الضرب أو القتل غير المبرر .
السلطة تتهم ايران بانها وراء الاحداث الدامية في البحرين :
ظلت الجمهوريةالاسلامية الايرانية، طوال فترة الاحداث العنيفة في البحرين، المتهم الاول في تحريض الغالبية الشيعية على إفتعال القلاقل من أجل تغيير الواقع القائم في البحرين، وعلى اثر المزاعم البحرينية بضلوع ايران في الشأن الداخلي للبحرين، أجتمع وزير الخارجية البحريني محمد بن مبارك آل خليفة في 22 يناير 1996،بسفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن المعتمدين لدى البحرين في خطوة وصفت بأنها شكوى اليهم من التدخل الايراني، حيث قالت مصادر السلطة، أن ايران متورطة بشكل أو اخر، في اثارة الفتنة الطائفية ( الشيعية ) في البحرين، وادعت بأن لديها " أدلة وبراهين قاطعة مدعومة بالوثائق " ستقدمها السلطات القضائيةالبحرينية، في المحاكمات التي ستجري للشخصيات الوطنية الاسلامية ( الثمانية في لجنة المبادرة الأمنية بزعامة الشيخ عبدالامير الجمري ) يوم 22 كانون الثاني 1996، والتي لم تعقد بسبب خوف السلطة من ردة فعل شعبية ودولية غاضبة ضدها، حيث لم تكن هناك أية أدلة أو براهين يمكن الركون اليها لتجريم هذه الشخصيات، بل أن هناك مزاعم وافتراءات كثيرة ضدهم و ضد كل مواطن بحريني يتجراء على المطالبة بأبسط حقوق المواطنة المشروعة .
واستنادآ الى ذلك كثفت السلطة البحرينية من حملات القمع المسعورة ضد المواطنين الأمنين في كافة مناطق البحرين ولاسيما ذات الكثافة الشيعية، وذلك على اثر تنامي القلق لدى جيران البحرين، من تداعيات الانتفاضة الشعبية، وفي هذا الوقت صرح ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير عبدالله بن عبد العزيز آل سعود، في أول تصريح له عن سياسة بلاده الخارجية، بأنه ( يجب التعامل مع المحرضين على الفتنة في البحرين) بوسائل القوة والردع، وهذا ماجعل حكام البحرين، يتمادون في قمع الانتفاضة الدستورية ويفرضون قبضة طاغية على المجتمع .
ومن جانبه دعا مجلس التعاون الخليجي، ايران إلى عدم التدخل في الشأن الداخلي لدولة البحرين العضو المؤسس في المجلس، واتهم كبار المسؤلين الايرانيين بتحريض الشيعة على العنف لاسقاط النظام السياسي ( الشرعي ) القائم في البحرين .
وضمن هذا السياق، اتهمت صحف بحرينية وكويتية وسعودية، ايران بالتحريض على أعمال ( الشغب ) وتحريك الشارع الشيعي للتظاهر الاحتجاجي ضد حكومة البحرين، وقالت أن تورط ايران المزعوم، قد يستثير ردآ قاسيآ من دول الخليج العربية وحلفائها الغربيين .
وفي مقابل ذلك، قادت ايران حملة مضادة على المزاعم الخليجية وبخاصة البحرينية والسعودية، التي ترى في ايران انها تمثل اخطر تهديد للاستقرار والأمن في المنطقة، حيث رفضت الصحف الايرانية الصادرة خلال شهر ديسمبر 1994، كافة الاتهامات والمزاعم البحرينية والخليجية بشكل عام، تورط طهران في الاضطرابات في البحرين، واجمعت هذه الصحف، على ادانة هذه الاتهامات التي وصفتها بأنها مجرد حيلة قديمة لالقاء اللوم في مشاكل محلية على أطراف خارجية وتبرير التواجد العسكري الاميركي في المنطقة .
وذكرت صحيفة ( ايران نيوز ) أن الأسرة الحاكمة في البحرين، حرمت شعبها حتى من ابسط أشكال الديمقراطية الا وهو البرلمان الذي يمكن من خلاله للشعب أن يكون له رأي في رسم سياساته الداخلية والخارجية ومستقبله الاجتماعي والاقتصادي .
واضافت الصحيفة " ان الاستياء الشعبي والاضطرابات المدنية في البحرين، هما الظاهرتان المصاحبتان للحرمان من ابسط حقوق الانسان "
ووصفت الصحيفة، مزاعم التورط الايراني، بأنها لااساس لها من الصحة وقالت " أن من الطبيعي في ضوء الظروف السائدة في البحرين ان تحتاج الحكومة الى كبش فداء لتحميله المسؤلية عن كل أزمات البلاد " .
وأضافت الصحيفة : ” أن التاريخ الحديث يثبت أن الدول ذات الانظمة الدكتاتورية عندما تواجه إنتفاضات شعبية داخلية، فأنها تتهم دائمآ دولآ أجنبية بأثارة الاضطرابات والقلاقل حتى يتسنى لها قمع شعوبها، ونظام كل من شاه ايران السابق واوجستو بينوشيه في تشيلي نمودج على ذلك " .
ومضت الصحيفة تقول : ” ان اتهام ايران بتذبير الأضطرابات في البحرين أو اي دولة خليجية اخرى، هي حيلة قديمة من إبتكار السياسة الخارجية الاميركية لتبرير الوجود غير المشروع للقوات الاميركية في منطقة الخليج الفارسي " .
ومن جانبها قالت صحيفة ( طهران تايمز ) : ” أن المواطنين في البحرين لجأوا الى الاضطرابات في غياب الاحزاب السياسة والتعددية وجماعات الضغط والمعارضة المنظمة لاقناع الحكومة بأعادة البرلمان " .
وأضافت تقول : ” بدلآ من التصدي لحل مظالم شعب البحرين لجأ المسؤلون الى الاعتقالات والقمع وتكميم الافواه، انها حيلة قديمة تستخدم للهروب عن معالجة المطالب الأساسية الجوهرية للمواطنين " .
وفي سياق متصل، وصفت مجلة ( الايكونوميست ) الصادرة في 12 أبريل 1996، تشدد القيادة السعودية تجاه الاحداث في البحرين، بأن هذه القيادة لاترغب بالمطلق أن ترى فيروس الديمقراطية القبيح يعبر في الاتجاه المعاكس ( أي الى الجانب السعودي ) وفوق كل شيء تخاف من أن اصابة واحدة من مسلمي البحرين الشيعة قد تخلق بداية لانتشار حمى العداء للنظام وللسنة بين شيعة السعودية الذين يعيشون في المنطقة الشرقية الاقرب الى البحرين " .
وأضافت المجلة : ” أن النظام في البحرين، كان يدعي دائمآ انه اكتشف يدآ ايرانية، وكذلك عيونآ وراء إضطراباتها، لكنه كان يفشل في كل مرة من تقديم الدليل القاطع على ذلك، ولقد اعترف معتقلون بأنهم تدربوا من قبل مجموعات تدعمها ايران، لكن قصص التعذيب في سجون البحرين تجعل من مثل هذه الادعاءات لاقيمة لها " .
في كل الاحوال يقراء المراقبون، الاتهامات التي تسوقها السلطة البحرينية وأبواقها في الداخل، وحلفائها في مجلس التعاون الخليجي ضد المعارضة أو ايران، حول القلاقل الداخلية التي عصفت بالبلاد طوال أربع سنوات من الانتفاضة الشعبية السلمية، بأنها مجرد مزاعم وإفتراءات لاأساس لها من الصحة ويراد بها تبرير فشل السلطة في معالجة الاوضاع المعقدة في البحرين أو القضاء على الانتفاضة الشعبية، والقاء اللوم على قوى المعارضة الوطنية والاسلامية وايران بتحريك الشارع البحريني .
انها في حقيقة الامر، نفس الاتهامات والمزاعم التي كانت تتكرر في كل الانتفاضات الشعبية السابقة، التي حدثت في البلاد ضد الظلم والقهر والتعسف العام، حيث كانت السلطة في عدة عقود تكيل الاتهامات الظالمة تارة الى مصر الناصرية بوقوفها الى جانب القوى والتيارات القومية المطالبة بالحرية والديمقراطية و طرد المستعمر الاجنبي، وتارة اخرى باتهام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بدعم القوى الديمقراطية البحرينية في مشاريعها الهادفة بالاطاحة بالاسرة الحاكمة في البحرين من أجل إقامة نظام شيوعي آخر على أنقاضه في البحرين و في المنطقة.
---------------------------------------------------------------------------------------------
* هذه الموضوعة منقولة من كتاب سيصدر قريبآ تحت عنوان ( البحرين من المشيخة إلى المملكة ) تأليف هاني الريس وتوطئة الدكتور سعيد الشهابي وتقديم الدكتور عبدالهادي خلف .

ليست هناك تعليقات: