الخميس، 19 فبراير 2009

البحرين في الذكرى الثامنة للميثاق ... اصرار على نهج الماضي التعسفي

احتفلت البحرين، في الرابع عشر من شباط / فبراير 2009، بالذكرى الثامنةعلى تحويل دولة المراقبة الامنية إلى ماسمي بالمملكة الدستورية، تحت شعار حاجة البلاد الى إصلاحات سياسية واجتماعية وأقتصادية، على طريق الديمقراطية البرلمانية الدستورية المتبعة في الممالك المتقدمة.
ومنذ ذلك الوقت ظل المواطن البحريني يتابع بأهتمام بالغ نتائج ذلك التحول، الذي قيل بأنه يحتاج الى بضع سنوات من أجل تكريس وتعزيز ثوابته،وتغيير الصورة التي سارت عليها البحرين طوال سنوات القمع المعتمة في ظل قانون أمن الدولة السيء الصيت، حيث فرضت السلطة في ذلك الوقت ( قبضة طاغية ) على كل مفاصل الدولة والمجتمع،واحتكرت كافة أدوات القرار، وإدعت بتمثيل الشعب والنيابة عنه، بعد تعطيل أبرز المواد الحيوية من دستور البحرين العقدي للعام 1973.
وفي ذلك الوقت بالذات تدهورت بشكل ملفت أوضاع حقوق الانسان، وتعطلت أعمال المؤسسة التشريعية، بعد قرار مرسوم الامير الراحل عيسى بن سلمان ال خليفة، بحل المجلس الوطني المنتخب، ومرور البلاد بفراغ دستوري استمر أكثر من ربع قرن من الزمن،توسعت خلالها مختلف مظاهر التعسف العام، وزيادة ملفتة في عدد السجون والمعتقلات التي ضاقت بها أرض البحرين ولم تتسع إلا لمرتزقة النظام وأعوانه وجلاوزته،ورصدت ميزانية الاموال الهائلة على كافة أجهزة الامن والمخابرات والحرس الوطني وقوة دفاع البحرين، وتفشت مظاهر الفساد والمحسوبية وإنعدام تكافؤ الفرص بين المواطنين، ومنع التعددية السياسية، وبشكل عام فقدت السلطة في ذلك الوقت بالذات الكثير من سمعتها السياسية والانسانية والاخلاقية بسبب غياب الديمقراطية وحقوق الانسان.
فالتركة الثقيلة التي خلفتها سنوات القمع الطويلة المعتمة،ورحيل الامير عيسى بن سلمان آل خليفة، وتسلم إبنه الشيخ حمد، زمام السلطة،وكثرة الانتقادات الدولية، وسرعة التحولات العالمية الجديدة نحو الديمقراطية وحقوق الانسان،أجبرت نظام الحكم الجديد في البحرين، على إتخاد خطوات جديدة من شأنها تخفيف تراكم الاستياء الشعبي ضد مجمل السياسات الخاطئة للنظام السياسي،وتجميل صورته المشوهة لدى الرأي العام العالمي وبخاصة المنظمات الحقوقية الدولية، التي ظلت منذ وقت طويل تقلق مضاجعه،فسعى من خلال ماسمي ب( مشروع الاصلاح الديمقراطي )بالعمل على اطلاق سراح المعتقلين والمسجونين واعلان العفو عن المنفيين والمبعدين خارج البلاد، وطرح مشروع ميثاق العمل الوطني الذي بموجبه تم تحويل الدولة الى مملكة، للتصويت الشعبي،والاعلان عن دستور منحه جديد يناسب مقاسات قامته،ودعم وجهاء القبائل والطوائف ورجال الدين وبعض المعارضين العائدين من المنافي القسرية،والمبالغة في توزيع المكرمات والعطايا الجزيلة،غير المجردة من الاعتبارات الشخصية والمصلحية،بحيث وصف كل هذه الخطوات السريعة والمتسرعة،أحد السياسيين البارزين، ممن لم يشاركوا في التصويت على ميثاق العمل الوطني، بأنها ( قارب يبحر بسرعة مجنونة نحو شواطىء يفترض أن تكون آمنة ) بفعل فرط الوعود بالتغيير الحقيقي والجوهري في البلاد،ولكن مادا سيحدث - يتسائل هذا السياسي - عندما تتعطل ماكينة القيادة، وينحرف القارب نحو شواطىء مجهولة وغير آمنة؟ )
ويقول سياسي آخر بارز، في ذات الشأن ( أن الحكم يجد نفسه اليوم متورطا بمشروعه الاصلاحي، عندما لم تكون لديه نظرة استراتيجية صائبة آنية وبعيدة المدى حول الاوضاع السياسية والاجتماعية والحقوقية والثقافية والفكرية، التي تتطلبها مراحل وامكانات وظروف التغيير )فأنه يظل لديه شعور بالخوف والقلق من كل مبادرة وطنية صادقة أو حركة مطلبية، قد تلزمه بتحقيق ماوعد وقطعه على نفسه امام الدولة والمجتمع.
ولذلك فأنه منذ إنطلاقة ( مشروع الاصلاح ) ثمان سنوات مضت،أصبح عاجزا عن تحقيق إمور كثيرة في حياة الدولة والمجتمع،من مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي وعد بها الناس قبيل التصويت على ميثاق العمل الوطني،بل أنه تمادى في اطلاق يده عل كافة مقدرات الولة والمجتمع، حيث تكرست وتعززت موضوعة أحتكار سلطة القرار السياسي في يد الملك ومجلس العائلةالحاكمة، بدلآ من سلطة الشعب المكرسة في نصوص الميثاق وفي دستور المنحة الجديد للبحرين، وتقديم المكافأت على أساس الولاء، ومحاولات تفتيت وحدة الشعب وانسجامه الوطني،وفرض قرارات وإجراءات التجنيس السياسي كأمر واقع، والاصرار على رفض مسائل الحوار الجاد والمسؤل مع المعارضة الوطنية والاسلامية.
وتشعر الغالبية الساحقة من أبناء البحرين، بعد مرور ثمان سنوات عجاف، على ( المشروع )وتجلياته بصورة واضحة، استمرار ( هيمنة الفئة الحاكمة )وتوزيع المكرمات والرشاوى وانتشار الفساد في معظم مفاصل الدولة الرسمية،انها بدأت تفقد الامل في بناء دولة ديمقراطية عصرية على غرار الممالك الدستورية المتقدمة،فمن الواضح تماما أن الاتجاه العام في البحرين لايدعوا الى التفاؤل بمستقبل واعد للاجيال الراهنة واللاحقة،مادامت آلية عمليات إتخاد القرار مكرسة اليوم في أيادي النظام واجهزته الرقابية السياسية والامنية الصارمةوالعابثة بأمن واستقرار البلاد، التي بدأت تنفيدها بقسوة، منذ احداث ديسمبر 2007،المتهمون فيها مواطنون أبرياء بسرقة سلاح وإحراق سيارة للشرطة، حتى يوم الاعلان عن مسرحية ( المخطط الارهابي ) المدعوم من قوى أجنبية، للنيل من استقلال وسيادة البحرين،والذي على أساسه، تمت حملة اعتقالت واسعة في صفوف المواطنين والسياسيين البارزين في مقدمتهم الشيخين الفاضلين حسن مشيمع ومحمد حبيب المقداد، ومجموعة شبان ابرياء، خضعوا جميعا لضغوطات قاسية وتعذيب نفسي وجسدي خلال وجبات التحقيق،ولذلك نجد في هذا الوقت بالذات عناوين متعددة، يدعوا بعضها الى الصبر والمرونة في إستقراء الواقع المعاش،والتوصل الى حلول موجبة لمعالجة الوضع، عبرت عنه بيانات بعض الجمعيات السياسية وشخصيات المعارضة،والبعض الآخر يشدد على،ضرورات مسألة التغيير الجوهري وليس الاصلاح، لانك لاتستطيع أن تصلح سلطة سياسية ورثت الظلم والاستبداد على مدى أكثر من 230 سنة من الحكم المطلق، بوسائل ترقيعية آنية.
وعلى الرغم من فشل النظام حتى الآن في تحقيق الوعود الابرز في صلب ( مشروعه الاصلاحي )ومن اهمها حريات الرأي والحياة الكريمة للمواطنين جميعا من دون تمييز أوتفضيل، وتحسين سجل حقوق الانسان بشكل شامل،فان المجتمع تصرف بحكمة، طوال الثمان سنوات الماضية،برغم بعض الهزات،وتمنى أن يكون النظام قد وجد وضع أفضل بالنسبة اليه كي يوقف خرقه للحريات، ويطور أسلوبا جديدا في التعامل مع شعب البحرين التي انهكته سنوات النضال المضنية من اجل تحقيق حلم الديمقراطية والحكم الدستوري وحقوق الانسان.
واذا ماكان النظام في البحرين، يريد ان يحيي ( مشروعه الاصلاحي )ويحتفل به كل عام على انه مصدر فخر واعتزاز بتأسيس الدولة الديمقراطية الدستورية على غرار الممالك المتقدمة،فان عليه واجب الالتزام بتحقيق الوعود التي قطعها على نفسه باحترام نصوص الميثاق ودستور البحرين العقدي لعام 1973،وتحرير المواطن البحريني من كافة قيود التعسف والقهر، وهذا يعني التركيز على المسائل الاساسية الجوهرية، بدلآ من المراوغات والمداهنات وتضليل الرأي العام، واحتكار عمليات صنع القرار، والضغوط العامة المصحوبة عادة بتهديدات بفرض العقوبات على حريات الرأي، خاصة عندما يتحدث الناس عن اوضاع البحرين في ندوات أو مؤتمرات خارجية.

ليست هناك تعليقات: