الخميس، 5 مارس 2009

عودة ( ملائكة الموت ) لترويض القرى البحرينية

هاني الريس

لاشك أن محنة أهالي القرى في البحرين، التي تعتبرها السلطات ( مناطق توتر أمني ) وتتهم أهاليها بالقيام بعمليات ضد دوريات الامن، وحرق الاطارات وتفجير اسطوانات الغاز، التي إمتدت على مدى أكثر من عام، عندما أقدمت السلطة على قمع تظاهرة احتجاجية سلمية بمناسبة ( عيد الشهداء في البحرين ) في منتصف شهر ديسمبر للعام 2007 ، وراح ضحيتها الشهيد علي جاسم محمد مكي ( 31 عاما ) وسقوط عشرات الجرحى من المواطنين من بينهم أحد أفراد الامن، نتيجة الافراط في استخدام الشرطة، الرصاص الحي والمطاطي والغازات المسيلة للدموع لتفريق التظاهرة، واعتقال العشرات ومحاصرة قرى السنابس وجدحفص والديه، بذريعة البحث عن اشخاص قاموا بسرقة ( سلاح ) من إحدى سيارات الشرطة، لازالت تتصدر أخبار الصحف والمواقع اللاكترونية البحرينية، بحيث أصبح واضحا ان وزارة الداخلية، تلقي بقبضة أمنية صارمة على كافة المناطق التي تعتبرها ( مصدر قلق وتوتر ) وبخاصة مناطق القرى ذات الكثافة السكانية والاكثر سخونة وتحديا للمراقبة الامنية .
في هذه القرى الأمنة، التي يتعرض أهلها لحصار شبه يومي من قوات الامن المدنية والعسكرية، لم يخل الامر، من مداهمات واقتحامات وعمليات تمشيط في البيوت والشوارع، بحجة البحث عن ( مخربين وارهابيين ومتأمرين ومطلوبين فارين من وجه العدالة ) وتعسف في استخدام القوة والعنف والتخريب، خلال عمليات التفتيش .
فالاجهزة الامنية ( المكلفة بحماية القانون والسهر على أمن وسلامة المواطنين ) تعطي الاوامر لافراد الشرطة من عسكريين ومدنيين، بتسيير دوريات مراقبة وترصد وتعقب الناس في حركاتهم وسكناتهم، والتصرف بردع ( الخارجين على القانون ) من دون أي تردد، وبأية وسيلة كانت، ومنع أي ( محاولة مقلقة للمواطنين والمقيمين ) .
حدث هذا التصرف التعسفي بالامس، في مناطق الديه وجدحفص والسنابس ومروزان وسار ومقابه وبني جمرة والمالكية ودار كليب والبلاد القديم، حيث إعتاد الناس في كل هذه المناطق وغيرها، على مشاهدة حشود من مايطلق عليهم قوات ( مكافحة الشغب ) مدعومة برجال أمن مدنيين ملثمين، يجوبون هذه المناطق الأمنة في ساعات الليل والنهار، يزرعون الخوف والهلع في نفوس المواطنين بدلآ من السهر على راحتهم وحماية أوضاعهم، في مهمة يبدو انها وسيلة تهديد وترويض في كل هذه المناطق .
واليوم يتكرر نفس المشهد المأساوي، في قرية الدراز، التي شهدت منذ أيام قليلة مضت، جحافل قوات قمع الشعب، تقتحم منازل أهلها وتعتقل شبابها، بذريعة انهم قاموا ( بإحراق سيارة تابعة للمخابرات ) وتمارس مهامها بطريقة استفزازية وعشوائية لتعقب من تتهمهم بتنفيد هذه العملية، الهدف منها المبالغة في ترويع وإذلال أهل القرية، حيث استخدمت تلك القوات جميع الوسائل البوليسية المبالغ فيها خلال مداهمة البيوت وتفتيشها وتمشيط شوارع القرية، والقيام بحملة اعتقالات في صفوف الشباب القصر، مبنية على مجرد ( الاعتقادات والشبهات واخباريات بعض المتعاونين مع الاجهزة الامنية ) .
هذه القبضة الفولاذية، التي أصبحت تمارس الآن، ضد القرى الآمنة البحرينية، شدد عليها وزير الداخلية البحرينية راشد عبدالله ال خليفة، خلال زيارته التفقدية مؤخرا، الى مديرية أمن المنطقة الشمالية ( حيث تتسع دائرة مناطق التوتر ) في احدى تصريحاته للصحافة البحرينية بالقول : ” ان وزارة الداخلية تحرص بقوة على اقامة مراكز أمنية جديدة في المنطقة الشمالية من البلاد، وتكثيف دوريات الشرطة لتلبية الاحتياجات الامنية الضرورية، ويقصد هنا ب ( الضرورية ) مع بالغ الاسف، هو أن يأخد أهالي هذه المنطقة، بعين الاعتبار قدرة الاجهزة الامنية على استخدام كافة وسائل القوة والردع حيال تحركات المواطنين حتى لو عرف بأنها لم تشكل أي تهديد لاستقرار الأمن، بل جرى التلميح لآتخاد الآسوأ في حال التجمهرات وخروج التظاهرات غير المرخصة، الأمر الذي أشاع مخاوف جدية لدى أهالي هذه المنطقة، بصورة تذكر الناس بممارسات ( فداوية أفراد عائلة ال خليفة ) في خمسينيات القرن الماضي ضد أهالي القرى البحرينية، وبخاصة الذين كان يصفهم النظام ب ( الحلايل )، حيث كان يجري التنكيل بهم وبأراضيهم وبيوتهم ومزارعهم، من قبل هذه ( العصابات الاجرامية ) التي أمعنت في أعمال العنف والقتل والسرقة وأغتصاب النساء، خدمة لاهداف وطموحات أفراد عائلة ال خليفة، بحيث كانوا يبدون عند الوهلة الاولى لمشاهدتهم وكأنهم ( ملائكة الموت ) .
لقد عانى أهالي البحرين بصورة عامة، من بطش هذه العصابات وقسوة أفعالها، خاصة في عهد الحاكم عيسى بن علي، إلى درجة أن وصفهم المقيم السياسي البريطاني في البحرين، في موسوعة الوثائق البريطانية، بأنهم من ( أصحاب الضمائر الميتة ) بعد أن شاهدهم يجوبون مختلف مناطق البلاد، وكأنهم وحوش مفترسة، يجمعون كل ما أمكن من الرجال ويسوقونهم للعمل ( السخرة ) من دون أي شفقة أو رحمة، فارضين عليهم بالقوة إنجاز أعمال أفراد العائلة الحاكمة، وليخلون سبيلهم عند إنتهاء المهمة من دون تقاضي أجر مادي أو حتى كلمة إعتذار .
هذا مع العلم ان الظروف التي عرفتها البحرين في ذلك ( الزمن الاسود ) والذي ذاق فيها شعب البحرين المهانة والذل على يد النظام الحاكم، هي غيرها اليوم تماما، ففي تلك الحقبة المعتمة، لم يكن هناك دستور ولامؤسسات تشريعية ولاحمعيات سياسية ولا منظمات مجتمع مدني ولامنظمات حقوقية وانسانية دولية تراقب الاوضاع وتندد بممارسات القمع وانتهاك حقوق الانسان، بل كانت الاوامر وتعليمات القهر والتعسف العام، تأتي مباشرة من الحاكم أو افراد عائلته، بحسب ( أمزجتهم وأهوائهم ) و بحكم (صداقاتهم أوعداواتهم ) مع أفراد الشعب. أما اليوم فان هناك بحسب ما تدعيه السلطة الحاكم، دستور ينظم حياة الدولة والمجتمع،وانظمة وقوانين ومؤسسات تشريعية وتشاورية وتعددية سياسية ومنظمات مجتمع مدني، ومراقبة ومكاشفة ومحاسبة على كل الافعال الخاطئة، لكن الواضح ان السلطة حتى الآن لم تعترف ولن تعترف بالقنوات الديمقراطية الدستورية وحكم القانون وحقوق الانسان، لانها في حقيقة الأمر، مازالت تعيش على موروث الماضي وامتيازات الماضي وأوهام الماضي، ورجالات الماضي، ويتعسر عليها اليوم قبول الحاضر، الذي تغير تغيرا جدريا في العالم برمته،بنضالات الشعوب وتضحياتها في سبيل الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان .

ليست هناك تعليقات: