الأربعاء، 25 مارس 2009

حقائق من انتفاضة التسعينات ... كيف انتهكت الحكومة حريات الرأي والحقوق الدينية

هاني الريس
عندما نقول ان حكومة البحرين مارست ابشع الانتهاكات لحريات الرأي والحقوق الدينية، خلال الانتفاضة الدستورية في تسعينات القرن الماضي، التي استمرت تداعياتها السياسية والامنية على مدى أربع سنوات متتالية، فاننا لاننطق عن الهوى، بل انها الحقيقة التي لمسها الناس وعايشها جيل الانتفاضة المباركة، على الرغم من اصرار النظام على عدم الاكتراث بمفاعيلها وشعاراتها ومضامينها السياسية والروحية والثورية الهادفة الى إصلاح السياسات الخاطئة في البلاد، والامعان في انتهاك الحريات العامة والقتل تحت وطأة التعذيب، والاعتقالات العشوائية خارج إطار القانون، والإ عتداء على حرمات منازل المواطنين الآمنين من دون مبررات واضحة، ومحاصرة واقتحام المساجد ورش جدرانها بالطلاء الاسود وعبارات تشتم الشيعة وال بيت النبي محمد ( ص ) ومنع المواطنين من أداء فرائظهم وشعائرهم الدينية وبعثرة الكتب والمراجع بما في ذلك المصحف الكريم، ومن لم يعرف بذلك نستعيد له اليوم بعض الذكرى من انتهاك هذه الحقوق، منقولة من كتاب سيصدر قريبا تحت عنوان : ” البحرين من المشيخة الى المملكة " الذي يحكي قصة تاريخ الصعود البعيد لعائلة ال خليفة، وغزو البحرين في العام 1783 واغتصابهم الأرض والكيان السياسي، واحتراب زعماء القبيلة وصراعاتهم الدامية على عرش المشيخة، حتى عام الانقلاب على الدستور العقدي في 2002، والكتاب هو من تأليف : هاني الريس، وتوطئة : الدكتور سعيد الشهابي، وتقديم : الدكتور عبد الهادي خلف .
حقائق القمع والقتل :
بدلآ من أن يوقف الحكم ممارسة القمع والقتل والاعتقال العشوائي ضد الاصوات الوطنية والاسلامية المطالبة باصلاح الاوضاع في البلاد، ونشر قيم الديمقراطية وعودة البرلمان المنتخب واطلاق سراح كافة المعتقلين والموقوفين في سجون البحرين على خلفية الآراء والمواقف السياسية والحقوقية، والسماح للمبعدين والمنفيين بالعودة الى البلاد من دون أية شروط مسبقة، صار يرتكب الحماقات ويستعرض عقدة ( الغرور بالقوة ) ضد شعب أعزل، ويرفض الاصغاء لنداءات الحكمة والتعقل، ويحيك الفتن والمؤامرات لإضعاف وتمزيق الوحدة الوطنية، ويتستر على الظلم ويفتري على المنظمات الحقوقية الدولية التي أخدت توجه اليه أشد الانتقادات بسبب غياب الديمقراطية وحقوق الانسان، ولم يتورع بالمطلق في القيام بعمليات ( ارهاب الدولة المنظمة ) ضد المواطنين في التجمهرات الاحتجاجية السلمية وفي البيوت الآمنة وفي دور العبادة المقدسة، من خلال الاعلان عن شبه حالة الطوارىء، ودفع المرتزقة والمأجورين في قوات الشرطة والجيش، لفرض أحكام السيطرة على مناطق الاحتجاجات والاعتصامات في الساحات العامة والمساجد، واعطيت لهم الاوامر برشق التجمهرات والتظاهرات والمسيرات الاحتجاجية السلمية بالغازات المسيلة للدموع وخراطيم المياه والرصاص الحي والمطاطي وغازات الاعصاب بانواعها المختلفة، وفي احيان كثيرة تم استخدام الطائرات المروحية ( الهيلوكبتر ) لقصف المناطق الأمنة كما حدث في قرى الدراز والسنابس والديه والبلاد القديم، حيث قصفت هذه الطائرات مواقع يفترض انها تشكل تهديدا لقوات الامن، التي تحاصر تلك المناطق، وللحيلولة من خروج الاهالي بالمسيرات والتظاهرات، مايدل على وحشية السياسة التي مارسها الحكم ضد المواطنين والمناطق الأمنة .
واعتمادا على هذه السياسة القمعية، أكد ولي عهد البحرين والقائد العام لقوة دفاع البحرين إنداك وملك البحرين الحالي حمد بن عيسى آل خليفة:” بأن الحكم لن يقف مكتوف الأيدي تجاه استمرار الاحداث، وانه سوف يستخدم كافة الوسائل اللازمة لردعها، بل وانه تعهد في إحدى التصريحات، بأن يأمر قوات الشرطة والجيش، بسحق مناطق الاحتجاجات ( وجميعها مناطق شيعية مضطهدة ومحرومة من أبسط حقوق الحياة ) وجعلها ما يشبه الاراض المحروقة، وبالفعل صدرت الأوامر لقوات الشرطة والجيش للانقضاض على كل هذه المناطق في حال خروج التظاهرات وتعرض أفراد هذه القوات للخطر، وعلى رغم عدم تعرض الجنود للخطر، فانهم بوسيلة أو اخرى، قاموا بتمشيط مناطق القرى و مارسوا العنف والارهاب ضد المواطنين، بالاعتداء عليهم وتذمير مساكنهم تدميرا كاملآ، كماحدث ذلك مع عائلة التيتون، التي فجرت قوات الامن منزلها بعبوات ناسفة، استشهد خلالها جميع أفراد العائلة .
وفي اليوم الاول من شهر ابريل للعام1994 ، الذي قامت فيه قوات قمع الشعب بمحاصرة منزل القائد البارز في الحركة الدستورية سماحة الشيخ الجليل عبد الامير الجمري، واعتقاله ووضعه في الاقامة الجبرية، تحركت الجماهير للدفاع عن الشيخ الجمري مطالبة بفك اعتقاله، لكن قوات الامن ردت على هذا الاحتجاج السلمي بالعنف المفرط، مما ادى ذلك الى وقوع ضحايا كثيرة بين المواطنين، وتم اعتقال المئات من النساء والشباب والاطفال،ارسلوا عنوة الى المعتقلات، حيث مورست هناك ضدهم مختلف صنوف التعذيب الجسدي والنفسي، وهذه هي المرة الأولى التي تمارس فيها قوات الأمن اعتقال أعداد كبيرة من النساء، بلغت أكثر من 190 إمرأة ، وعدد من طالبات المدارس الاعدادية والثانوية، واستخدمت هذه القوات طائرات مروحية لردع التجمهر، وتصوير المتظاهرين تمهيدا لاعتقالهم، اضافة لمحاصرة المناطق التي كانت تعتبرها ( بؤرا للتحرك الاحتجاجي )
انتهاك الحقوق الدينية :
استمر الحكم طوال ذلك الوقت ينتهك حريات الرأي والتعبير والضمير وكافة الحقوق الدينية، مع تصعيد خطير في إجراءات الامن، حيث منعت بموجب القوانين الاستثنائية لوزارة الداخلية البحرينية، كافة مواطني ( مناطق التوتر الشيعية ) من ممارسة شعائرهم الدينية وأداء فريضة الصلاة في المساجد، وقامت مجموعات من قوات الامن المدججة بالاسلحة، بمحاصرة المساجد، والهجوم على بعضها واغلاقها ومصادرة كل محتوياتها، وتعمدت التحرش بالمصلين واستفزازهم في صلوات الجمعة، حيث طلب من المصلين عدم دخول المساجد، بل التجمهر بقربها، وذلك للحيلولة من تمكنهم من تنظيم المسيرات وترديد الهتافات المؤيدة للحركة الدستورية وللشيخ الجمري ورفاقه أعضاء لجنة العريضة الشعبية، وقد تكررت هذه المشاهد المأساوية، في أكثر من مناسبة دينية مقدسة، يمكن أن نوجز هنا بعضها :
في يوم 5 يناير 1996، جرى اعتقال الشيخ محمد الرياش، بعد القائه عددآ من الخطب كرر فيها المطالب الشعبية العادلة، وقد تلقى تهديدات تستهدف حياته من قبل جهاز مخابرات هندرسن، وقد كشف عن ذلك بنفسه في خطبة الجمعة، وفي نفس الفترة تم اعتقال الشيخ الجليل علي النجاس البالغ من العمر 48 سنة، وهو رجل دين كفيف البصر، وكان قد اعتقل واستشهد في مابعد، لدعمه المطالب الدستورية علانية من على المنبر الحسيني.
في يوم 9 يناير 1996، اعتقل قيم مسجد الصادق بالدراز الحاج حسن جار الله واعتقل علي محمد العكري مؤذن مسجد الانوار في الديه، وقد تعرض الاثنان الى التعذيب النفسي والجسدي من قبل أجهزة أمن هندرسن .
في يوم الثاني عشر من يناير 1996 وضمن حملة اعتقالات شملت العديد من القيادات الوطنية والشخصيات الدينية، مثل الشيخ علي بن أحمد الجدحفصي والشيخ علي عاشور والشيخ حسين الديهي والشيخ حسن سلطان والشيخ عبد المحسن ملا عطية والاستاذ عبد الوهاب حسين والاستاذ حسن علي حسن مشيمع، شهدت خلالها البلاد موجة احتجاجات واسعة النطاق تصدت لها قوات قمع الشعب وفرقتها بالقوة المفرطة، حيث سقط العشرات من الجرحى وتم اعتقال المئات من المواطنين الابرياء .
في يوم الثالث عشر من شهر يناير 1996 استدعت اللجنة الامنية التي شكلها وزير الداخلية محمد بن خليفة آل خليفة، أعضاء لجنة المبادرة برئاسة الشيخ عبد الامير الجمري، ووجهت التهديدات والاهانات، والذي إصيب على اثرها الشيخ الجمري بنوبة قلبية نقل على اثرها الى المستشفى .

في يوم عيد الفطر المبارك المصادف في 20 يناير 1997، اعتقلت قوات الأمن، سماحة الشيخ حسين القائم، من أهالي قرية سماهيج، وهاجمت العديد من المواطنين الذين كانوا يحتفلون بهذه المناسبة في مختلف مناطق البلاد، لمجرد أنهم أعلنوا الحداد على أرواح الشهداء وضحايا القمع، الذين سقطوا ودافعوا عن الديمقراطية والحريات في البلاد .
وفي نفس ذلك اليوم، هاجمت قوات الامن مسجد النور بقرية الديه، وحطمت جميع محتوياته، ومزقت الكتب بما في ذلك القرآن الكريم، واعتدت على جميع المصلين واعتقلت بعضهم وساقتهم الى السجون .
وبتاريخ 23 يناير 1997، اعتقلت قوات الامن رجل الدين سماحة الشيخ حسين عبدالله، من أهالي سترة، ضمن حملة اعتقالات مسعورة شنتها ضد رجال الدين الشيعة، في الايام التي اعقبتها، حيث جرت اقتحامات واسعةالنطاق في مآتم ومساجد الطائفة الشيعية، خص منها مسجد الصادق في القفول، ومسجد الصادق في قرية الدراز، ومسجد الشيخ عزيز في السهلة ومسجد مؤمن في المنامة العاصمة .
وبنهاية شهر فبراير 1997، أحتجزت قوات الأمن على جسر الملك فهد، بين البحرين والسعودية قرابة 20 حاجا وحاجة من الطائفة الشيعية، بعد عودتهم من أداء فريضة العمرة في الأراضي المقدسة، وحققت معهم لساعات طويلة، ثم اطلقت سراحهم بعدأن امعنت فيهم قهرا واهانتة وضربا مبرحا بحقهم .
واستمرت أجهزة الأمن، وعلى مدى سنوات الانتفاضة الدستورية تراقب عن كثب كل مواكب العزاء الشيعية التي تخرج خلال شهرمحرم من كل عام، وتفرض القيود على تحركاتها وتمنع شعاراتها الثورية، ضاربة بعرض الحائط قدسية هذه المناسبة، والتضحيات الكبيرة التي بدلت من أجل كرامة الانسان وانعتاقة من قيود الظلم والقهر والاستبداد،وكذلك المادة ( 22 ) المكرسة في دستور البحرين العقدي للعام 1973،التي تنص على :” حرية الضمير مطلقة، وتكفل الدولة حرمة العبادة وحرية القيام بشعائر الاديان والمواكب والاجتماعات الدينية " .

ليست هناك تعليقات: