الجمعة، 21 أكتوبر 2011

البحرين ..... عائلة آل خليفة ومسيرة إحتكار السياسة والثروة

منذ غزو عائلة آل خليفة للبحرين وقيام مشيخة أحمد بن محمد آل خليفة المشؤومة، في العام 1783، وحتى تأسيس "المملكة الحالية" لم تسمح كافة الانظمة والاجراءات المتبعة في دستورها الجديد، بوجود أحزاب سياسية ومنظمات مدنية مستقلة عن فلك السلطة والحكم، حيث تعتبر الاسرة الحاكمة في البلاد، وحدها صاحبة اتخاد القرار والمسؤولة عن تمثيل الشعب والنيابة عنه، مهما قيل في وجود جمعيات ومجالس بلدية ونيابية منتخبة من قبل الشعب، ما يعني عملياً استفرادها وهيمنتها وفرض سلطتها على كل صغيرة وكبيرة من مفاصل الدولة والمجتمع، وتدعمها في مختلف هذه الجوانب أجهزة المخابرات والشرطة والجيش وحتى الصحافة ووسائل الاعلام المطبلة والمزمرة للنظام الحاكم .

وفي العام 1973، سمحت الاسرة الحاكمة، بوجود بصيص أمل نحو تطور سياسي، تم تصويره بأنه سيتجاوز مخلفات الماضي القمعي، وأعلنت عن رغبتها باقامة مجلس تأسيسي من أربعين عضواً نصفهم معين من قبل الحكم والنصف الاخر منتخب انتخاباً حراً مباشراً من قبل الشعب، ليكون بمثابة النواة الاولى للتجربة الديمقراطية الجديدة التي تريد تدشينها في البلاد، ويولد من رحمها دستور تعاقدي بين الحكم والمجتمع، ومؤسسة برلمانية منتخبة بكامل اعضائها انتخاباً حراً مباشراً من ثلاثين عضواً في الدور التشريعي الاول، ثم اربعين عضواً في الادوار التشريعية اللاحقة (بالاضافة الى 14 وزيراً بحكم مناصبهم)، لتشريع القوانين والانظمة القائمة في البلاد ومراقبة ومحاسبة الحكومة على افعالها امام المجتمع، وبعد مخاضات عسيرة ونقاشات ضارية حول اعداد مسودة الدستور التعاقدي داخل اروقة المجلس التاسيسي، أقر الأمير عيسى بن سلمان آل خليفة، مشروع الدستور في العام 1973. وفي نهاية العام نفسه، جرت انتخابات المجلس التشريعي (المجلس الوطني) في اجواء ديمقراطية حرة ونزيهة شهد لها كافة المراقبين المحليين والدوليين، لكن بعد أقل من عامان على هذه الانتخابات، إنقلب الحكم على الدستور التعاقدي وعطل أبرز مواده الحيوية، وقام بحل المجلس الوطني المنتخب في 26 اغسطس من العام 1975، بذريعة خروج اعضائه على قيم الديمقراطية وأصول التعامل مع الحكومة، واصرارهم على رفض مشروع قانون أمن الدولة، الذي تقدمت به الحكومة من أجل ما وصفته بـ"حماية الامن الوطني"، والذي اعتبرته كافة الكتل النيابية في المجلس الوطني، مجحفاً وقاسياً، بحق المواطنين والحريات، كما أنه مخالف لنصوص الدستور العقدي التي تصون حريات الرأي والتعبير والضمير وتحمي كرامة المواطن البحريني وعدم النيل من كافة حقوق المواطنة المشروعة، وبعد ذلك مرت البلاد بفراغ دستوري وبسنوات معتمة من القمع والاستبداد المطلق استمرت على مدى اكثر من ربع قرن من الزمن، ولم تنفع المناشدات الحميدة ولا الانتقادات الدولية الموجهة للحكومة بسبب غياب الديمقراطية وانتهاكات حقوق الانسان في البحرين، ولا حتى الاحتجاجات والاضطرابات والانتفاضات الشعبية التي تفجرت على مدى تلك الحقبة الاسوأ في تاريخ البحرين، من ثني الاسرة الحاكمة عن قرارها بتعطيل المواد الحيوية من الدستور وحل المجلس الوطني المنتخب .

وبعد وفاة الأمير عيسى بن سلمان آل خليفة، في العام 1999 وتسلم مقاليد الحكم نجله حمد بن عيسى، أطلق الأخير من القمقم ما سمي "مشروع الاصلاح" المطبوخ بسموم الاستبداد و الطائفية المقيتة، وتعهد أمام المجتمع البحريني، بأنه سيقوم بفتح صفحة جديدة من التعامل الايجابي مع الاوضاع التي كانت مثار جدل بين الدولة والمجتمع، وأنه سيعالج جميع الاخطاء التي حدثت في عهد والده الأمير الراحل عيسى بن سلمان، وبخاصة مجالات حقوق الانسان، ولكنه استدرك بانه "سيكون ماضياً على خطى والده والاجداد السابقين الذين وصفهم بأنهم حققوا الانجازات المذهلة" لهذا البلد، فاستهل مشروعه الاصلاحي ببعض الحلول الجزئية والاصلاحات الترقيعية، التي أثبتت هشاشتها وفشلها ومعاني اهدافها ومقاصدها في السنوات اللاحقة. وفي غمرة أعراس الانفراج السياسي التي شهدتها البلاد على مدى عام كامل، كان الحاكم يمهد الطريق للانقلاب النهائي على دستور البحرين العقدي، والتخلي عن كافة الوعود والتعهدات التي أقسم عليها في أولى خطابات تسلم العرش، حيث أعلن في خطاب متلفز موجه الى الشعب وحكومات الدول العربية والعالمية، أنه تفضل على شعب البحرين بمنحه دستوراً جديداً قائماً على " مبادئ الديمقراطية والحكم الدستوري وحقوق الانسان "، هو ذلك الدستور الذي صدر بأمر بمرسوم ملكي لعام 2002، في أعقاب تحويل الدولة الى مملكة والذي تمت صياغة نصوصه ومواده الاساسية بعناية فائقة وبمقاسات تنسجم تماماً مع قامات الحكم والاسرة المالكة، وداخل دهاليز مغلقة وبعيداً عن أعين الشعب والمراقبين والصحافة البحرينية، وأعقب ذلك إجراء انتخابات نيابية هي الثانية منذ فترة ما سمي بالاستقلال، سبقتها بفترة قصيرة انتخابات المجالس البلدية، وكانت كلاهما موضع جدل قانوني ودستوري، وقد عارضت وقاطعت الانتخابات التشريعية أربع جمعيات سياسية، بسبب عدم شرعيتها الدستورية، واستجاب لدعوة المقاطعة قطاعات شعبية، بالرغم من لجوء الحكم الى إرهاب الناس ودفعهم دفعاً للمشاركة تحت وطاة التهديد بقطع الارزاق والمصالح المختلفة. وبالاضافة الى الاعضاء الـ (40) الفائزين في الانتخابات، والذين أتوا من شرائح وتيارات متعددة، قامت الاسرة المالكة بتعيين 40 عضواً لمجلس الشورى البحريني، المعروف ب " الغرفة الثانية في البرلمان "، قيل بأنهم من أصحاب الخبرة والتخصص والجاه في المجتمع البحريني، ليشكلوا جميعاً في ما سمي بـ"المجلس الوطني". وعلى رغم مرور أربع سنوات من عمر هذا المجلس، فانه لم يستطع تحقيق حتى القليل مما كان يتطلع اليه شعب البحرين .

الاقتصاد:

تسيطر عائلة آل خليفة الحاكمة في البحرين، على معظم أراضي البلاد كاملاك خاصة، وتتقاسم ثرواتها المختلفة، بما في ذلك الثروة النفطية التي تكاد أن تكون المصدر الاساسي الاول للدخل الوطني، ويبسط معظم أفراد هذه الاسرة هيمنتهم على المشاريع التجارية وشركات الاستثمار المتعددة الجنسيات، والمجمعات السكنية والاسواق التجارية العملاقة، اضافة الى ما يحصلون عليه من رواتب شهرية عالية مخصصة لأفراد الأسرة الحاكمة، ورواتب إضافية أخرى، في مقابل تعيينهم كوزراء أو وكلاء وزارات أو مدراء ادارات أو ضباط كبار في اجهزة الشرطة والجيش والمخابرات، في بلد ما يزال يعتبر أفقر الاغنياء في البلدان الخليجية النفطية، وفي وقت تتضاعف فيه مشقات الحياة المعيشية اليومية لغالبية المواطنين في البحرين وتزداد فيه نسبة البطالة في صفوفهم وخاصة بين أصحاب المؤهلات العلمية العالية، وهناك شرائح كبيرة في المجتمع تعاني من العوز المادي، ولم يشهد المجتمع البحريني لا في ماضيه الزراعي والرعوي ولا في حاضر الطفرة النفطية الهائلة، من شىء سوى ذلك الفتات الذي يترك من فضلات موائد الاسرة المالكة وشركائها البرجوازيين الكبار الذين يحاولون بشتى الوسائل الممكنة، ابتلاع لقمة عيش المواطن الفقير، وهذا ما كانت تشير اليه دائماً التقارير الاقتصادية والاستراتيجية المختلفة التي تناولت وضع الاقتصاد البحريني منذ الزمن البعيد وحتى الآن .
هاني الريس

ليست هناك تعليقات: